كلمة للمتروبوليت باسيليوس (منصور)عن الخير والشر

mjoa Friday October 24, 2014 87

كلمة الراعي المتروبوليت باسيليوس (منصور)عن الخير والشر

الإخوة والأبناء الأحباء،
ثمـة خطأ سائد عند الناس يجـعـل الله خالـقاً مبدأي الخير والشر، وكأن الله خلق الإنسان ووضعه أمام خيارين: إما أن يختار الخير وله الثواب، أو أن يختار الشر وله العقاب. إنْ هذا الا تبسيط لحقيقة ساطعة، هي أن الله خلق الإنسان صالحاً على صورته. ولكن الإنسان، جَحوداً، يختار الإبتعاد عن الصلاح فيعمل الشر، الذي ليس سوى انعدام الخير، فالخير وحده ذو جوهر بالحقيقة، وعدمه هو الشر، أي أن الشر لا جوهر له.

الخير والشريتّفق على هذا القول جلّ الآباء؛ فيقول القديس يوحنا الدمشقي (+750) في كتابه الثمين “المائة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي”، بعد أن يؤكد أن الله خلق كل شيء حسناً جداً: “إن الشر إنْ هو الا فقدان الخير ويعاد عمّا هو بمقتضى الطبيعة الى ما هو ضدّ الطبيعة”. معنى هذا أن الله خلق الإنسان بطبيعة صالحة تعمل الخير، واذا صنع الإنسان الشر، فهذا يكون ضدّ الطبيعة الحقيقية للإنسان. الشرير، إذاً، هو إنسان شاذّ غير طبيعي، لأنه يسلك بخلاف طبيعته. ويتابع القديس الدمشقي مستنتجاً: “فليس الشر جوهراً، إنْ هو الا عرضٌ أي تحويل طوعي مما هو بمقتضى الطبيعة الى ما هو ضد الطبيعة. وهذا ما نسمّيه الخطيئة”. فاعل الكبيرة أو الخطيئة يقمع طبيعته الأصليّة التي خلقها الله وجعلها فيه، فيختار العمل بعكس ما هي مجبولة عليه، لذلك يكون عمله ضدّ الطبيعة وضدّ الله الذي خلقها. ويعرض الدمشقي في مكان آخر موضوع الفضيلة التي زرعها الله في الانسان الذي بحريته اختار الإنحراف عنها، فيقول: “إن الفضيلة زُرعت في طبيعتنا من قِبل الله الذي هو نفسه بدء كل صلاح وعلّته، وبدون مساعدته ونجدته لا يمكننا أن نريد الصلاح او أن نعمله.
وأن في استطاعتنا إما أن نستمر في الفضيلة وأن نتبع الله الذي يدعونا اليها، وإما أن ننحرف عن الفضيلة -وهذا يعني أن نصير في الرذيلة- ونتبع الشيطان الذي يدعونا إليها بدون اغتصاب”. اذاً، الشر والرذيلة ليسا سوى انحراف ضدّ الطبيعة التي خلقنا الله عليها. ويتابع قائلا: “وما الرذيلة الا الابتعاد عن الخير، كما أن الظلام هو زوال النور”. أما العودة الى طبيعتنا فتتم بالتوبة الى الله، أي إنها “عودة عمّا هو ضد طبيعتنا الى ما هو بحسب طبيعتنا”.
ثم يطرح الدمشقي سؤالا أساسيا: “ما السبب في خلق الله مَن يعرفهم سيخطأون ولا يتوبون؟”، وهو نفسه يجيب بالتأكيد أن الله يعرف مصير كل إنسان وكل خليقة من حين إخراجها من العدم الى الوجود، الا انه يريد من الإنسان أن يقضي على الشر، وذلك لأنه “إذا كان الذين سيوجدون بسبب صلاحه تعالى يمنعهم عن الوجود أنهم سيصيرون أشراراً برضاهم، فيكون الشر قد غلب صلاح الله”. المعركة الحقيقية هي تلك التي تقوم بين الإنسان ذي الإرادة الحرّة وبين الشهوات التي تقوده الى الشر. الإنسان هو المدعو الى القضاء على كل ما يجره الى الإبتعاد عن الصلاح. الله يحترم حرية الإنسان، وهو يريد أن يختار الإنسان البقاء معه بهذه الحرية، لذلك لا يتدخل في منع وجود الأشرار. إن الله لا يريد الشر لكنه يسمح به، إحتراماً منه لحرية الانسان. فيقول القديس الدمشقي: “إن الأمور التي هي في استطاعتنا، بعضها صالح ويشاؤه الله عن تصميم ورضى، وبعضها طالح وشرّ في الحقيقة ولا يشاؤه الله لا سابقاً ولا لاحقاً، إنما يتركه لحريتنا”. ولا يجوز نسبة مسؤولية أعمال الإنسان الى قوة خارجة عن إرادته، فالإنسان ليس آلة مبرمجة مسبقاً، وغير صحيح أن لا حَوْلَ له ولا قوة على مجابهة الخيارات التي تنشأ أمامه. ويؤكد القديس نفسه “أنه لا يجوز تسجيل الأعمال القبيحة والظالمة على الله، ولا على القضاء، ولا على القدر، ولا على الطبيعة، ولا على الحظّ، ولا على الفطرة”، ويختم هذه الفكرة بقوله: “وعليه بقي أن الإنسان، إذا عمل أو صنع، فهو مبدأ أعماله الخاصة، وهو حر”. إذاً، كل إنسان مسؤول عن أعماله، أكانت صالحة أم شريرة. أيّ دور للشيطان في هذا؟ يقول القديس الدمشقي إن الشيطان هو ابو الشر وهو الذي أوجد الخطيئة. كيف تّم ذلك؟ يجيب قديسنا: “هو، كما خلقه الله، لم يكن شريراً بل صالحاً، لأن الخالق قد صنعه ملاكاً منيراً بهياً وحراً. وقد ابتعد هو برضاه عن الفضيلة التي هي بمقتضى الطبيعة، وصار في ظلمة الشر، مبتعداً عن الله الصالح وحده والمحيي والمُطْلِعِ النور”. يبقى أن الإنسان الذي ينقاد الى مغريات الشيطان هو وحده المسؤول عن الخطيئة التي يرتكب، وهو وحده سيدفع ثمنها. ويصح هنا القول بأن “ولا تَزِرْ وازرةٌ وِزْرَ أُخرى”. يعتبر القديس مكسيمُس المعترف (+662) أن الإنسان ليس مكرهاً على الاتحاد بالله، فهو حرّ وحريته “التي هي صورة الله فيه” تعطيه الإمكانية بأن يرفض الله ويذهب تالياً الى الجحيم، او أن يتحد بالله ويحيا الى حياة أبدية،فطالما دامت لنا الحياة الدنيا طالما كان لنا الخيار بأن نكون مع الله أو ضده. وإذا شئنا في الختام أن نميز بين البشر، نستطيع القول إن الانسان “الطبيعي” هو الذي يتوق الى الله، أما الإنسان “غير الطبيعي” فهو الذي يتوق الى الشر ويعمله.

نشرة البشارة
نشرة رعائية أسبوعية تصدرها أبرشية عكـّــار الأرثوذكسية

26 تشرين الأول 2014

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share