بروح الرجاء والأمل أقيمت في كاتدرائية النبي الياس للروم الأرثوذكس بحلب أمسية تضرعية بعنوان “أسير إلى المسيح” لمرور عام ونصف على اختطاف صاحبي السيادة والنيافة مطراني حلب بولس ويوحنا، وذلك مساء يوم الجمعة 24 تشرين الأول 2014. حضر الأمسية حشد غفير من أبناء الكنيستين والمجتمع الحلبي بجميع أطيافه الدينية والاجتماعية.
بدأت الأمسية بكلمة ترحيب من السيد مجد لحدو عضو المجلس الملي في مطرانية السريان الأرثوذكس بحلب رحب فيها بالحضور الكريم. تلت الكلمة أناشيد وترانيم معدّة خصيصاً لهذا الحدث كتبها قدس الأرشمندريت أندراوس مرقص من أبرشية المكسيك، كما وكتب اثنتين منها قدس الأب جورج كلور كاهن كنيسة القديس جاورجيوس للسريان الأرثوذكس في حلب، وتخللتها قراءات من سفر المزامير. أدت هذه الأناشيد جوقتا مطرانتيتي الروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس بقيادة الأخت باولا، وتميّزت الأمسية بالألحان التضرعية على وزن أغانٍ وأناشيد معروفة مسّت قلوب جميع الحاضرين وبثّت فيها الرجاء والأمل وبعثت فيها السلام والطمأنينة.
وختمت الأمسية بكلمة لقدس الأرشمندريت موسى الخصي وكيل صاحب السيادة المطران بولس قال فيها: “عام ونصف.. ونحن ثابتون في الرجاء صامدون منتظرون عودة صاحبي السيادة والنيافة راعيينا الجليلين بولس ويوحنا.
عام ونصف ونحن هنا في حلب الشهباء، حلب الصمود والرجاء، ثابتون، راسخون، ولكننا مجروحون بحبنا لراعيينا الغائبين عنا؛ غائبين بالجسد، لكن ليسا غائبين بالروح، فنحن نرى وجودهما محسوساً بيننا، صلواتهما تعضدنا في أقسى الظروف، وتساعدنا أن نعبر التجارب العظام التي تمر بنا. ويخطر في ذهني صورة فُلك سيدنا نوح، السفينة العظيمة التي بناها النبي نوح والتي احتمت فيها الإنسانية والوجود كله، حينما كان الوجود كله مهدداً بالزوال من الطوفان، هكذا صلوات راعيينا الجليلين وأدعيتهما لنا، إنها كسفينة نوح تحفظنا وتصوننا وسط طوفان العنف والصعاب الجمة التي نمر بها مع مدينتنا ووطننا الحبيب، والتي ربما لم تمر بها الإنسانية من قبل. وكما أطلق سيدنا نوح حمامة السلام وعادت له بغصن الزيتون بشارةً بالخلاص الآتي وانتهاء الصعاب، ونحن من هنا أيضاً، مع هذه الأصوات والنغمات الملائكية واجتماع المحبة هذا، نطلق حمامة السلام، نطلقها إلى العالم أجمع، لكي تهزّ عروش المتغطرسين، وتخزي كل من تسول له نفسُه أن يتحكم بمصير الناس والشعوب، لتقول: كفى! كفى صمتاً وخزياً! أعيدوا لنا راعيينا! أوقفوا العنف! ارفعوا الإنسان والإنسانية المذبوحة! لا تجعلوا الدين منبراً للحرب يفرّق الأخ عن أخيه، بل تعرفوا عليه في جوهره سلاماً ومحبة ووحدة للجميع. “الدين لله والوطن للجميع”، نحن جميعاً خليقة الله، خليقة حسنة، لا تشوهوا حُسن الله في البشر، كلنا أخوة، لنرَ جمال الله في خليقته، هذا الجمال يوحدنا في وطننا الغالي سورية، هذا الجمال نعرفه في حياتنا سوية في سورية، مسلمين ومسيحيين، ولا نحتاج من يعلمنا إياه من الخارج. يا دعاة الحرية للشعوب حرروا عقولكم أولاً ثم تعالوا وانظروا وتعلموا منا كيف هي الحياة وكيف نعيشها بمحبة.
من هنا، نطلق حمامة السلام لتقول لخاطفِي راعيينا: كفى! لقد نلتم نصيبكم من محبتهما والآن أعيدوهما إلى أبنائهما الذين ينتظرون بركتهما الروحية وتعزية حضورهما بينهم في أحلك الظروف. أعيدوهما إلى مدينتهما ورسالة المحبة والإنسانية التي يحملانها على عاتقهما، حتى في أسرهما، ولا يستطيع حملها تحت هذه الظروف إلا الرجال القلائل. أعيدوهما إلى بلدهما سورية الغالية التي يحملانها دوماً في قلبيهما بالعمل الوطني والصمود على أرضها الطيبة. أعيدوهما إلى العالم أجمع رسولي سلام ومحبة في زمن طغت فيه الحروب والمصالح.
اليوم، نطلق حمامة السلام وكلنا رجاء وأمل بأن تعود إلينا، كما عادت لنبينا نوح، وفي فمها غصن الزيتون، عربوناً للسلام وبشرى بعودة صاحبي النيافة والسيادة والآباء الكهنة وجميع المخطوفين.
من هنا، نشكر كل من يشاركنا ألمنا ووجع جرحنا النازف، نشكر كل من يشاركنا الصلاة في العالم أجمع، ومن يساهم في نقل صلاتنا إلى العالم أجمع، لأجل عودة صاحبي السيادة والنيافة، نشكر كل أصحاب النيات الطيبة الذين يعملون لأجل عودتهما.
من هنا، من حلب التي يدعوها العالم “أخطر مدينة في العالم”، ويدعوها أبناؤها الصابرون فيها “المدينة الأكثر صموداً في العالم”، من حلب التي يصنّفها العالم كـ “أكثر مدينة مهدمة في العالم”، ويصنفها أبناء الرجاء فيها كـ ” أكبر مدينة لإعادة الإعمار في العالم”، من حلب التي انعدمت فيها وسائل الحياة، لكن أبناءها، أبناء القيامة، فجروا فيها الحياة من الموت، من هنا، نعلن للجميع أننا صامدون على الرجاء، أننا مصلون دون كلل أو ملل، منتظرون فجر القيامة الثانية بعودة صاحبي السيادة والنيافة.
أما أنتم يا أبناء حلب الجبابرة، بورك صبركم رغم كثرة الضيق، بورك انتظاركم لأبويكم وراعييكم الجليلين، بوركت صلاتكم لأجلهما، وبورك رجاؤكم بعودتهما، وسيُبارك فرحكم بحضورهما بينكم من جديد وزوال المحنة العصيبة التي تمر بها مدينتنا الشهباء ووطننا الغالي سورية، لأن ما من ضيق إلا وبعده الفرج، وما من صليب إلا وبعده القيامة.
كلمة شكر لا تفي هؤلاء الشباب الذين قدموا من وقتهم وجهدهم ليعلو اليوم صوت السلام والمحبة عالياً، صلاةً وتضرعاً لعودة راعيينا الجليلين.
والشكر الكبير لكم جميعاً لاجتماعكم اليوم وإظهار روح المحبة والأخوة والتضامن بين جميع أبناء وشرائح وأطياف المجتمع الحلبي.
والشكر الأول والأخير هو لله الذي نتضرع له اليوم أن يسكب نعمته ورحمته في القلوب، لتعود لنا مدينتنا ووطننا بأبهى حلة، ويعود لنا راعيانا الجليلان يوحنا وبولس سالمين مكرمين معافيين، مع الآباء الكهنة وسائر المخطوفين، بأسرع وقت بإذنه وبركته ورحمته، آمين.”
البشرى
24-10-2014