«أنا الكرمة الحقيقيّة»

mjoa Tuesday October 28, 2014 225

«أنا الكرمة الحقيقيّة»

«أنا الكرمة الحقيقيّة وأبي الكرّام (…) وأنتم الأغصان» (يوحنّا 15، 1 و5). الرمز واضح في هذه الآية، فالربّ يسوع هو الدالية المعلّقة على خشبة الصليب من أجل خلاصنا. يؤكّد القدّيس أمبروسيوس أسقف ميلانو (+397) هذا الأمر بقوله: «المسيح عُلّق على خشبة كالكرمة. إنّه الكرمة والعنب، لأنّه يلتصق بالخشبة والعنب. فما إنْ طعن الجنديّ جنبه بحربة حتّى خرج دمٌ وماء (يوحنّا 19، 34). أمّا الماء فللمعموديّة، وأمّا الدم فللفداء. الماء غسلنا، والدم افتدانا». ويوصي كتاب «تعليم الرسل الاثني عشر» (الذيذاخي، كتيّب دُوّن ما بين عامَي 100 و150) المؤمنين حين يقيمون القدّاس بأن يقولوا على الكأس المقدّسة: «نشكرك، يا أبانا، من أجل الكرمة المقدّسة، كرمة داود فتاك. لقد عرفنا بها يسوع ابنك، لك المجد إلى الدهور».

45645665يقول القدّيس كيرلّس الإسكندريّ (+444) إن الربّ يسوع ابتغى من مثل «الكرمة والأغصان»، أن «يبيّن لنا أهمّيّة المحبّة المرتبطة به، ومقدار الربح الذي نجنيه من الاتّحاد به. لذلك يقول إنّه الكرمة كعِبرة ومثل. الأغصان تمثّل المتّحدين به والمرتبطين به والمتعلّقين به والمشاركين في طبيعته عبر نيلهم موهبة الروح القدس. فروحه القدّوس جعلنا متّحدين بالمسيح المخلّص… يقول إنّه الكرمة الأمّ المغذّية، ونحن الأغصان. في الروح نحن مولودون منه وفيه لنثمر للحياة». أمّا أغوسطينُس المغبوط أسقف هيبّون (+435) فيقول: «الكنيسة هي حقلٌ، والله هو حارث الحقل. يقول بولس: أنا غرستُ، أبولّوس سقى، لكنّ الذي كان يُنمي هو الله. فلا الغارس بشيء، ولا الساقي، بل الله الذي يُنمي (كورنثس الأولى 3، 6-7). حراثة الله لنا تجعلنا أفضل. فتقتلع بذور الإثم من قلوبنا».

«كلّ غصن فيّ لا يُثمر يقطعه. وكلّ غصن يُثمر يشذّبه ليكثر ثمره» (يوحنّا 1، 2). يحذّر القدّيس كيرلّس المؤمنين من عدم ربط الإيمان بالأعمال، فيقول: «(إذا اكتفينا) باعترافات إيمانيّة عارية مجرّدة – من دون الإمساك برباط الاتّحاد بأعمال شجاعة نابعة من المحبّة – سنكون أغصانًا ميتة وغير مثمرة. الإيمان من دون أعمال ميت كما يقول القدّيس يعقوب (في رسالته الجامعة 2، 20). فإذا ظلّ الغصن معلّقًا بالشجرة من دون ثمر، فاعلمْ أنّ شخصًا كهذا سيواجه مقصّ الكرام. فسيقطعه ويطرحه في النار كنفاية لا تنفع». أمّا أقليمس الإسكندريّ (+216) فيقول: «الكرمة التي لا تُشذّب تصبح حطبًا. هكذا حال الإنسان. الكلمة (الإلهيّة) سيف يطهّر تشوّه الأغصان، ويدفع النفس إلى أن تُثمر، لا أن تنهمك بالملذّات».

لا ريب في أنّ الأغصان هي من ذات جوهر الكرمة، ومنها تخرج. فنحن لنا أجساد، لكنّنا من نوع واحد مع جسد المسيح، ومن ملئه نأخذ، وهو جذر القيامة والخلاص. والآب يدعى الحارث، لأنّه بالكلمة يعتني بالكرمة التي هي جسد المسيح، أي الكنيسة أيضًا. في السياق ذاته يقول كيرلّس الإسكندريّ: «إذا لم تتزوّد الأغصان من الكرمة أمّها بالرطوبة المحيية، فكيف تحمل عنبًا، وأيّة ثمرة ستعطي، ومن أيّ مصدر؟ فما من ثمرة تتبرعم فينا نحن الذين سقطنا عن الاتّحاد بالمسيح. أمّا المتّحدون بالقادر على أن يقوّيهم ويغذّيهم في التقوى، فالقدرة على حمل الثمر تضاف إليهم بسهولة بمنح نعمة الروح القدس، التي هي بمثابة ماء يعطي الحياة».

«اثبتوا فيّ وأنا فيكم. وكما أنّ الغصن لا يثمر من ذاته إلاّ إذا ثبت في الكرمة، فكذلك أنتم لا تثمرون إلاّ إذا ثبتّم فيّ» (يوحنّا 15، 4). أمّا أغوسطينُس المغبوط فيعتبر أنّ «كلّ مَن يظنّ أنّه يثمر من تلقاء ذاته، لا من الكرمة»، إنّما هو «ليس مسيحيًّا». ويتابع أغوسطينُس كلامه انطلاقًا من تذكيره بأنّ «النعمة أمر عظيم، فإنّها تهدي نفوس المتواضعين، وتكمّ أفواه المتكبّرين. أمّا الذين يرغبون في إرضاء أنفسهم فيظنّون أنّهم ليسوا بحاجة إلى الله للقيام بالأعمال الصالحة… هؤلاء يقولون: إنّنا أبرار من تلقاء أنفسنا… هذا هو منتهى الكبرياء». ويختم أغوسطينُس شرحه للآية بقوله: «تأمّلوا مليًّا في ما يقوله الحقّ… كلماته التالية ليست منّي بل منه: بدوني لا تقدرون أن تعملوا أيّ شيء (يوحنّا 15، 5) ».

في ظلّ الظروف الصعبة التي تمرّ بها بلادنا الأنطاكيّة، لا بدّ من إيراد ما يقوله القدّيس يوستينوس الفيلسوف الشهيد (+165)، وكأنّه يتوجّه إلينا لكي نواجه هذه الظروف بالثبات على الإيمان. يقول يوستينوس: «واضحٌ أنّه ما من أحد يقدر على أن يُرعبنا ويستعبدنا نحن المؤمنين بالمسيح في الأرض كلّها. فعلى الرغم من قطع رؤوسنا وصلبنا وطرحنا للوحوش المفترسة، والأغلال، والنار، وكلّ أنواع التعذيب الأخرى، فإنّنا لا نتخلّى عن اعترافنا. واضحٌ أنّه، كلّما تكاثر حدوث ذلك، ازداد باسم يسوع عدد المتّقين الله. فإذا اقتطع أحدٌ ما أجزاء من كرمة مثمرة، تنبت أغصان أخرى فتنمو مزدهرة ومثمرة. الشيء نفسه يحدث لنا. فالكرمة التي غرسها الله المسيح المخلّص هي شعبه».

ينتهي مثل «الكرمة والأغصان» بقول الربّ يسوع: «قلتُ لكم هذا ليدوم فيكم فرحي، فيكون فرحكم كاملاً» (يوحنّا 15، 11). يفرح الربّ بكلّ إنسان يسعى إلى أن يكون غصنًا مثمرًا في الكرمة الإلهيّة المحيية.

نشرة رعيتي

2 تشرين الثاني 2014

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share