كلمة الراعي – المطران باسيليوس (منصور)
الإخوة والأبناء الأعزاء،
يتحدَّث إنجيل اليوم عن فضائل ومعاني كثيرة وعميقة مثل الرحمة والحريّة والمحبّة واليوم سنتكلم معكم من خلال النص حول موضوع الحريّة الروحيّة والتقليد المتمركز حول الجهاد الروحي وبالتالي هل هو متحرك أم جامد.
يمثل الحريّة في النص الرب يسوع المسيح الذي تحرك بالرحمة والمحبة تجاه المرأة وشفاها بالرغم من أنه هو واضع الناموس وهو الذي أمر بأن لا يعمل شيء في يوم الرب للتفرغ للكلمة الإلهية والتأمل بمتطلبات الحياة الروحيّة.
الموقف الثاني يمثله رئيس المجمع الذي إنتفض أيّما إنتفاضة وأمام الجميع أظهر كل القساوة التي اكتسبها من تطبيق الناموس حرفياً وهذه خبرة روحيّة أيضاً يقع في حبائلها النفسية كل من يجعل ذاته خادماً بدون وعي ووداعة للناموس ولأي ناموسٍ كان. والرب يحذّرنا على لسان رسوله بولس بأن الحرف يقتل والروح يحي ويحذرنا الرب في العهد القديم بأنه يريد رحمة لا ذبيحة فغاية الحياة الروحية أن يمتلىء قلب الإنسان رحمة تجاه أخيه الإنسان وتجاه نفسه.
إمتلاء كيان الإنسان بالرحمة في الإتجاهين يملأه بالمحبة في كل الإتجاهات وإذا بقيت الحياة الروحيّة للحياة الروحيّة فقط يصبح الإنسان قاسياً وتظلم أفكاره ويخسر حريّته ويصبح سهل السقوط أمام أي هجمة من هجمات الخطيئة ويفقد ثباته.
أيّها الإخوة الأحباء هذا الصراع الذي مجاله الإنسان الفرد أو المجتمع الإنساني صراع دائم لا ينتهي ولكن أحياناً تنتصر الحرية في الإنسان والمجتمع أو يقبع كلاهما في الجمود وعدم الحركة والتطوّر. هنا يتساءل الإنسان هل كل ما هو حديث وعصري هو حريّة أو من مستلزماتها بالتأكيد ليس كل ما هو عصري هو حريّة أو من مستلزماتها فكثير من الأمور العصريّة تؤدي الى دمار الإنسان وتجعل من الإنسان عبداً من عبيد التبعية والإعجاب والإدمان وأشياء كثيرة مما نصادف حوالينا مرّات كثيرة في اليوم، فهل الإعجاب بالموسيقى الصاخبة والهابطة والعاريّة من الأمور المساعدة على بناء الشخصيّة، إن إنجراف الشباب والصبايا في عمر القبول والنمو الروحي والجسدي لمثل هذه الأشياء ألا يؤدي إذا لم يستدرك الأمر الى إصابات في المشاعر والتعامل مع كل القيم الإنسانية، نثور لأي شيء لا يعجبنا كما ثار رئيس المجمع على الرب يسوع. الطريقة الإستهلاكية التي نربي عليها أولادنا هل نعدهم للمستقبل، وخوفنا من عدم تلبية كل طلباتهم الحميدة وغير الحميدة ألا يوقعنا نحن بالخوف ونجد أنفسنا مضطرين وحتى مجبرين على تلبيتها غير حاسبين لغير رضاهم عنا أي حساب أو نخاف لئلا نجد أنفسنا مقصرين مع أنَّه وجب أن نقصّر معهم في كثير من الحالات.
الرب يسوع المسيح يحترم السبت ويعرف لماذا فرز وكرّس يوم السبت للرب، فكما يقول هو السبت جعل لأجل الإنسان وليس الإنسان لأجل السبت. المعرفة الشاملة لمعاني يوم السبت جعلت الرب يتصرف بحريّة بينما جمَّدت قلب رئيس المجمع وأمثاله فلم يعودوا قادرين على التصرُّف المناسب في المكان المناسب. تذكرنا هذه الحالة بدروس الرياضيات والفيزياء، والكيمياء. فالطالب الذي لا يعرف القوانين واستنتاجاتها وتطبيقاتها يحفظ المسائل الحسابية والرياضية كما يحفظ بيت الشعر أو نصاً معيناً لكاتب وشاعر معيّن. ولكن إذا تغيّرت في ذات المسألة الرياضية ولو بعض العناصر البسيطة كالأرقام لا يعود يعرف طرق الحل والإستنتاج.
سؤال أخير نتساءله هل كل تقليد جمود أو كل قديم غير مرغوب؟ إن العلوم وكل الأشياء مبنية على أسس قديمة ولها مجالها في النمو والحداثة. ألا يشتهي الجميع تلك البساطة والسعادة التي أحاطت بحياة آبائنا الذي في أقسى الظروف وأحلكها استطاعوا أن يحققوا أشياء كثيرة. أمَّة اليابانيين اعتمدوا في بدء تطورهم على تقليد الأشياء وخاصة الأشياء المفيدة ثم انطلقوا في حضارتهم ووصلوا حيث وصلوا.
هكذا ايها الأحباء ليكن تعاملنا مع إيماننا الذي نفتخر به على العالم جميعاً ويدفعنا هذا الإيمان لإحترام وتقدير كل العالم. ينير أذهاننا ويرشدنا لقيمة الإنسان ويعرّفنا السبل الحسنة والمفيدة لنا وللآخر.
ونطلب الى الله أن يلهمنا الطرق الصحيحة لإدراك معاني الحرية الكاملة والكامنة بالعيش معه. ولينجينا من كل عبوديّة مهما كان نوعها قديمة أم حديثة فبالحريّة وحدها ندرك نوره ونرث ملكوته. له المجد الى الأبد آمين.
نشرة البشارة
7 كانون الأول 2014