المسيح ولد فمجدوه المسيح أتى من السماوات فاستقبلوه- المطران باسيليوس (منصور)

mjoa Saturday December 20, 2014 119

المسيح ولد فمجدوه المسيح أتى من السماوات فاستقبلوه
بهذه الكلمات نستقبل بداية آحاد صوم الميلاد مسبحين الذي ارتضى أن يتحد مع طبيعتنا البشريّة. هذا الاتحاد الذي أمّن للطبيعة البشرية مكانية الوجود في الحضرة الإلهية بصداقة ورفقة متصاعدة، لقد صار كلمة الله مثلنا في كل شيء ما خلا الخطيئة لكي نصبح نحن مثله بنعمته بلا خطيئة. وهكذا نكون قد حققنا ولادة جديدة لملكوت السموات.
وبحسب تعليم كنيستنا الولادات التي يحققها الإنسان عديدة أولها الولادة الجسدية – ثانيها الولادة من رحم الكنيسة جرن المعمودية، ثم الولادات التي يحققها من خلال درجات الفضيلة ولا يكون الإنسان في حالة منها كما كان في التي سبقتها أو التي بعدها.

J-8ولد المسيح لكي نحقق نحن بنعمته وبالمواهب التي أعطانا ولادات مستمرّة في مراحل ملكوت السماوات والولادة الأخيرة تكون عندما يكتمل دورُنا في هذه الحياة ونوجد في الحياة الأبديّة، وجوداً كاملاً لا كالشبه بل بالحقيقة.
وكما يولد الإنسان ويتعرف على هذا العالم ويشكر الله أنّه ما بقي في مرحلة من المراحل قبل وجوده في هذه الحياة، هكذا في كل مرحلة من مراحل الولادات في الفضيلة والنعمة يشكر الإنسان الله على ما صار عليه ويتمنى المزيد، أي التقدم في الحياة والفهم والنعمة، والقامة أمام الله والناس، ولو أدرك الإنسان إدراكاً لا لبس فيه إلى ما هو صائر إليه من الملكوت والنعيم لما تضجّر عندما يبلغ من العمر مرحلة متقدمة، يتضجّر الإنسان في مراحله المتقدّمة لأنه تقدّم في عدد السنين ولكنّه لم يتقدّم في النضج الروحي ويتأسف لأنه رأى في ذاته تراجع بالنسبة لقواته الجسدية مثل الطعام والشراب والنوم وغيرها ولكنه بقي جاهلاً جامداً بالروح فأمثال هؤلاء تتعثّر ولاداتهم الروحية ويبقون أجنَّة تنتظر تحركاً روحياً يخرج إلى عالم آخر يختلف عن سابقه بالفهم والإدراك والمعرفة.
أيها الإخوة الأحباء كما تصح الولادات الجسدية والروحية بالنسبة للأفراد، تصح الولادات الروحية بالنسبة للجماعات والشعوب.
خلال زيارتنا للولايات المتحدة الأمريكية نيويورك برفقة صاحب الغبطة يوحنا العاشر – (نيوجيرزي-واشنطن) – رأينا ولمسنا قيمة ميلاد المسيح في تلك المناطق والبلاد – المليئة بالكنائس المتعددة الأنواع والمذاهب، ما كنا نصدّق ما نسمع حتى رأينا بأعيننا أن الشعب الأمريكي إذا جاز التعبير، أكثر ارتياداً للكنائس من كل شعوب الأرض المسيحية (لا أعرف كثيراً عن روسيا والبلقان) وما صارت إليه الأحوال الآن وأعتقد أنها إيجابية، لقد التقينا بالكثيرين من الأحبة في تلك المناطق وامتلأت الكنائس منهم وزينوها بوجودهم حتى شعرنا أن تلك البلاد قد تقمَّصتْ قُرانا وبلداتنا، وكنائسهم قد ولدت من جديد على شبه المريمية والصليب وكنائس عكار بمختلف مناطقها أو اللاذقية وطرطوس والجنوب وزحلة. كان الناس يتوافدون ليسلّموا  على صاحب الغبطة وعلى الوفد المرافق ويتذكرون قُراهم وبلداتهم وكنائسهم وأفراحهم وأتراحهم ويتذكرون مرابع الطفولة، لقد اغرورقت العيون بالدموع، والحنين يشد أولئك المحبين إلى الوطن ومرابعه. شعرناهم وقد ولدوا من جديد بحضورنا. وبحفلة التنصيب التي صارت حفلة تنصيب المتروبوليت جوزيف الزحلاوي متروبوليتاً على نيويورك وكل أمريكا الشمالية وكندا. يبني الأرثوذكسيون كنائسهم على نمط الكنائس البيزنطية بينما يسكنون بيوتاً تشابه تماماً نظام البيوت الأمريكية معلنين بذلك شيئين مهمين وهي أنهم حضارياً بحسب هذا العالم قد ولدوا في تلك البلاد من جديد وينتظمون ضمن إطار نظمها وقوانينها، أما من الناحية الروحية الإيمانية فهم مقتنعون تماماً أنهم لم يجدوا أفضل مما وَجَدوا عليه أباءهم وأجدادهم لا بالنسبة لانعكاس هذا الإيمان على علاقتهم بالناس وإخلاصهم للدول التي انتقلوا إليها فقط بل وبالنسبة لنموهم الروحي واستمراريتهم في الفضيلة حاضراً ومستقبلاً مستمدين من الماضي. ويصعب عليهم كثيراً الانتقال إلى روحانية أخرى. ونجدهم لائذين بحصون الإيمان وقلاع تعليمه ليحافظوا على العائلة ضمن ما ألفوه وعرفوه في بلداتهم الأصلية.
فهؤلاء استمروا في ولادتهم من رحم الإيمان المسيحي ومن رحم المحبة والفضيلة مكرّمين الرب يسوع المسيح الذي بعمله الخلاصي جعل المؤمنين أبناءً لله الآب غير مولودين حسب مشيئة رجل وامرأة بل بالروح لندرك دائماً ما هو أسمى وأصلح وأعمق.
إننا نلعب دوراً هاماً نحن الذين في الوطن إذا ثابرنا على اتصالنا بهم روحياً وإعطائهم الشعور بأننا مشتاقون إلى وجودهم وحضورهم لا إلى ما تتمخض عنه المجتمعات المختلفة هنا ووصلت إلى مرحلة مقززة للنفس وإلى مالا يصدّق وأن نعلمهم دائماً أن ينقلوا ما عنا من حضارة لا أن ينقلوا إلينا حضارة تلك البلاد حالياً، وأن يأتوا هم إلينا لا أن يحملوننا نحن إليهم فالحضارة ترتبط بموطن انبعاثها، والمسيحية التي فعّلت الشعوب نحو الحضارة انطلاقاً من شواطئ البحر الأبيض المتوسط ستُفهم كما هي تماماً في هذه البلاد ومن هذه البلاد أكثر مما ستكون في بلاد تختلف معاني الكلمات عندهم عما عندنا.
أدعو الله بمناسبة الميلاد المجيد والأعياد السعيدة، رأس السنة والغطاس، أن يجدِّدَ شبابَ الجميع روحياً وجسدياً بشكل دائم ويقودَهم في مواكب تصرفه دائماً إلى ما هو أفضل وأن يؤهلنا دائماً بنعمته أن نستوعب النور المنبعث في المغارتين مغارة الميلاد ومغارة القيامة، وأن يمنّ على شعوب الشرق الأوسط والعالم أجمع بالسلام والاطمئنان والبركات العميمة ببركة طفل المغارة الحبيب يسوع المسيح له المجد إلى الأبد آمين.
ميلاد مجيد وعام سعيد
نشرة البشارة
21 كانون الأول 2014

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share