تأمل في الظهور الإلهي – المطران جورج (خضر)
في البدء كان روح الله يرفرف على وجه المياه، وانتظم الروح على المياه بكلمة الله وكانت الخليقة (تكوين الإصحاح الأول). كانت هذه الخليقةُ الأولى كما أرادها الله عذراء عفيفة بلا عيب. ثم كان السقوط وطُرد الانسان من الجنة، ومعه أصبحت الأرض تُنبت شوكا وحسكا (تكوين ٣: ١٨). ومن بعد السقوط أصبحت الخليقة بحاجة إلى تجديد، فجاء الآب ثانية بكلمته الخلاقة ليقول: “هذا هو ابني الحبيب”.
في البدء قال الله: “ليكن نور فكان نور” (تكوين ١: ٣). وفي المسيح يسوع كلمة الله المتجسد، كانت الحياة من جديد مع الله في فردوس مستعاد. كان النور الحقيقي الذي ينير كل انسان والذي به أُعطي الانسان ثانية سلطانا أن يصير ابنا للعليّ (يوحنا ١: ١-١٨).
في معمودية يسوع جاء الروح القدس يرفرف من جديد على وجه مياه الأردن ليصنع الكون الجديد بالمعمودية وبالإيمان بالإنجيل، وكان مظهر الله الحق في هذا الحبيب الذي تجسّد.
في الظهور يتجلّى لنا الله آبا وابنا وروحا قدسا بعد أن ظهر طفلا في بيت لحم. وكما رتلنا في صلاة السَحَر للعيد: “انه هو الذي أفاضه الله من البطن”، أي ان الذي أفاضه الآب من البطن الإلهي الأزلي وأطلقه إلى أحشاء البتول وبها ظهر لنا مخلصا، ظهر لنا محورًا للكون بل كان الكون فيه خليقة جديدة، مسكن الله مع الناس.
في الظهور الإلهي نحن نقول شيئًا أساسيًا وهو أن الله ظهر في الجسد وأن الأجساد التي تقف في الكنيسة لتقيم القداس الإلهي ليست ككل الأجساد. الجسد المعمّد ليس ككل الأجساد لأن الله قائم به. الانسان المسيحيّ واعٍ بآن معًا أنه من تراب وأنه من ضياء، وأن التراب فيه يتحوّل الى ضياء. نحن لا نتغنّى بالله، نحن إلهنا قائم فينا، في عيوننا، في لحومنا، في عظامنا. نحن نأكل الله أكلا ونشرب دمه شربا.
المعمودية التي لنا بالروح القدس تجعلنا نقيم جسرا بين كل شيء والمسيح. كل شيء جميل في هذا العالم، كل شيء طاهر وجليل، كل حقيقة في الدنيا، كل خلجة حلوة في قلوب الناس، كل ومضة فرح في عيونهم، كل هذا مصدره المسيح يسوع. إن أحببنا كل حقيقة في الكون وكل بهاء فيه، فنحن بذلك نحيا في المسيح يسوع لأننا نُقرّ أنها منه تجيء، وأنها منه تتّخذ معناها. المسيحيون موحّدون لأنهم يربطون كل شيء بالإله الواحد الظاهر في الابن. كيف يمكن هذا؟ هذا ممكن اذا عُدنا إلى شهادة يوحنا. شهادته كانت أنّ “هذا هو حَمَلُ الله الرافعُ خطايا العالم”. هذا ما سمعناه في بدء التلاوة الإنجيلية للعيد.
ماذا يعني هذا الكلام لنا اليوم؟ انه يعني اننا نؤمن أن الله ليس بذلك البطاش المستأثر بالسماء والأرض، ليس ذلك الذي يسود ليستعبد الناس. انه تنازل حتى الناس، حتى الموت، موت الصليب. في الصليب والقبر والقيامة انسكب روح الله على الخليقة من جديد ينبوعًا متدفقا يغمر العالم. أي عندما سكن الله في الناس وانسكبت حياته من أجلهم على الصليب، تدفّق روحُ الله من جديد على المسكونة.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
نشرة رعيتي
11 كانون الثاني 2015