ماذا تقول الكنيسة؟

mjoa Monday March 9, 2015 115

ماذا تقول الكنيسة؟
 
إنّ من يتعاطى الشَّأْنَ الإرشادِيّ مع شبيبة الكنيسة، كثيرًا ما يُواجَهُ بالسُّؤال: ماذا تقول الكنيسة في كذا؟، ما موقفها من هذه المسألة؟، ما رأيها بهذه الدَّعوة أو تلك؟… إلخ. وغالبًا، ما يكون المُضْمَرَ بالمُسَاءَلَة الكنيسةُ “الرَّسْمِيَّة”، المُتَمَثِّلَة بمطارنتها ومجمعها المقدّس. أَجَل، إنّ شباب الكنيسة يُسَائلونها كلّما وَجَدُوا أنفسهم في مواجهة أفكار جديدة، أو صرعات جديدة، من أمثال تلك الّتي يُطَالِعُنَا بها عالَمُ اليوم وتيّاراته، وما أكثرها، بل وما أخطرها!. يُسائل الشّباب كنيستهم مُنْتَظِرِينَ منها، في التّفاصيل أحيانًا، أجوبة شافِيَة تروِيهم من عطشٍ وتحرِّرُهم من قلق. وهذه المساءَلة هي، دُون شكّ، حقّهم الطّبيعيّ على كنيستهم. فإذا لم يُسائل الشّباب كنيستهم فَمَن يسائلُون؟!.

churchوإذا لم يَلجَأُوا إليها في حيرتهم فإلى مَن يلجأُون؟!. على مَن، غير الكنيسة، يَرمُون أثقالهم ويطرحون همومهم والهواجس؟. ومِمَّن غيرها يلتمسون الرّاحة النّفسيّة والسَّلام الدّاخليّ؟. عندما يستشعر الولد خطرًا، أو يساوره خوفٌ ما، يَلُوذ تلقائيًّا بكنف أمّه أو أبيه طَلَبًا للأمان. كذلك هي حال الشّباب مع كنيستهم، يَلُوذون بها لكونهم يَرَون فيها الكنف الأبويّ الَّذي يحميهم ويمنحهم الشّعور بالأمان. لمّا علم يسوع مَن هو الّذي يُسلمه، “من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء. فقال للإثني عشر: ألعلّكم أنتم أيضًا تريدون أن تمضوا؟. فأجابه سمعان بطرس: يا ربّ، إلى مَن نذهب؟، كلامُ الحياة الأبديّة عندك” (يوحنّا 6: 66 – 68). إنّ شباب الكنيسة يلجأون إليها لا إلى سواها، ومنها لا من سواها يلتمسون الأجوبة الشّافية، لأنّهم يريدون أن يعتقدوا أنّها حاملة الكلام الّذي للحياة الأبديّة لكونها كنيسة المسيح.
 
إنّ في مُساءلة الشّباب، هذه، لكنيستهم ما يُطَمْئِن، لأنّها تعني أنّهم يثقون بها ويعتبرونها مرجعيّتهم. بالتّالي، لا شكّ عندنا في صدقيّة هذه المُساءَلة وحقّانيّتها، ولا يُخَامِرُنا رَيْبٌ في أنّ الكنيسة “الرّسميّة” مُطالَبَة، اليوم أكثر منها في أيّ يوم مضى، بكلمةٍ نبويّة تقولها، أو موقف نبويّ تعلنه من القضايا الإنسانيّة الكُبْرَى الَّتي تُرْخِي بثقلها على الجميع، مجتمعًا مدنيًّا وكنيسة، عَنيت بها، مثالًا لا حصرًا، الإرهاب، التّكفير، العنف بصوره المختلفة، الفساد المُسْتَشْرِي على كلّ صعيد والّذي هو، في أساسه فسادٌ خُلُقِيّ، زواج المِثْلِيِّين وشرعنته في بعض الدّول، المُساكَنَة، الزّواج المدنيّ والضّجّة المُثَارَة حوله في أوساطنا في هذه الآونة…إلخ. هذه، وغيرها كثير، من القضايا الّتي تهزّ الضّمير الإنسانيّ وتُبلبله، ليس مقبولًا، بالتّالي، صمت الكنيسة عنها وعدم تَصَدّيها لها بكلمة تقولها وتكون بَلْسَمًا للضّمائر المجروحة وشهادة للتّاريخ.
 
على أنّنا، مع تسليمنا الكامل بما تَقَدَّم، نلفت النَّظَرَ إلى ما يلي: في عالم كالَّذي نحن فيه، يُطَالِعُنَا كلّ يوم رأي جديد من هنا وصرعة أو بدعة جديدة من هناك، لسنا نتصوّر أنّ على الكنيسة أن ترصد كلّ جديد لتقول فيه كلمتها. فليست هذه وظيفتها أصلًا. ليست كنيستنا كنيسة الوصفات الجاهزة والأجوبة المُعَلَّبَة، لا سيّما في القضايا الإنسانيّة ذات الصّلة بأخلاقيّات علم الحياة، مثلًا، والجنس وما إليهما (وهي القضايا الّتي تكثر فيها، عادةً، تساؤلات الشّباب). في أيّة قضيّة من هذه القضايا تتحاشى الكنيسة أن تقدّم وصفات جاهزة، لأنّها لا تقتحم حرمة المؤمن وضميره لتُمْلِي عليه حَلًّا. ماذا إذن؟!. الجواب أنّ الكنيسة تُعلِّم وتُرشِد، تُوجّه وتُوعّي، وتترك للمؤمن الرَّاشِد أن يستنبط بُرشده الحلّ الّذي يعتقد، مُخْلِصًا، أنّه يوافق وضعه. إنّ كنيستنا حريصة على ألَّا تُعاملنا كقاصرين. لكنّها، في الوقت عينه، لا تتخلّى عن مهمّتها الأساسيّة كمُوجِّهَة ومُوَعِّيَة. في هذا السّياق، للكنيسة تعليم صريح يختصّ، مثلًا، بالجسد وحرمته وكونه هيكلًا للرّوح القدس، بالحياة الإنسانيّة وكرامتها وأنّها ملك بإِرْثِهَا ولا يحقّ، تاليًا، لأيّ مخلوق العَبَث بها أو وضع حدّ لها… إلخ. وتحت هذه العناوين العريضة لا بدّ من أن تكون لها أجوبةٌ عامّةٌ، مبدئيّةٌ وعريضة، عن الأسئلة ذات الصّلة بالإجهاض، مثلًا، أو القتل الرّحيم، أو طفل الأنبوب… إلخ. إلَّا أنّها تترك لصاحب العلاقة أن يستنبط بنفسه، تحت سقف هذه الأجوبة العريضة، وبالإخلاص الكامل لتعليم كنيسته، ما يراه حّلًّا موافِقًا لمشكلته الشّخصيّة، الطاّرئة عليه في ظرف خاصّ وضمن حَيثيّات شديدة الخصوصيّة أيضًا. طبعًا، في مثل هذه الحال، تنصح الكنيسة أبناءَها- وهذا حقّها- أن يسلكوا بمقتضى الرُّشْد الّذي افترضته فيهم والثّقة الّتي مَحَضَتْهُم إيّاها، بحيث يطرحون عنهم الكسل ويعكفون على الدّرس والقراءة ليربطوا أنفسهم بخبرات الكنيسة عبر ارتباطهم بخبرات آبائها وتعالميهم. إنّ ما يهمّ الكنيسة، في آخر المطاف، أن يبقى المؤمن، في ما يستنسبه من حلول، تحت سقف استقامة الرأي ليبرهن، بالفكر والسّلوك، وفي تفاصيل حياته، أنّه ابن الكنيسة وأنّ “حياته مُسْتَتِرَة مع المسيح في الله” (كول 3: 3).
 
في هذا المسعى، قد لا يكون لك، مؤمنًا، بُدٌّ من الإستشارة. من أجل هذه وُجِدَ المرشِد أو الأب الرّوحيّ. بَيد أنّ أحدًا منهما لا ينوب عنك في إيجاد الحلّ او اتِّخاذ القرار. هو يفكّر معك لكنّه، بالتأكيد، لا يفكّر عنك. في أفضل الأحوال، هو يساعدك في تلَمُّس الطّريق إلى الحلّ الّذي تنشده، والّذي تبحث أنت عنه وتتحمّل، شخصيًّا، مسؤوليّته كاملة.
لقد بَلَغْنَا بيسوع المسيح سنّ الرشد، وباسمه نؤلّف كنيسة الرّاشِدِين.

نشرة الكرمة
08 آذار 2015

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share