كلمة المطران باسيليوس (منصور) في عيد الصليب المقدّس

mjoa Tuesday March 17, 2015 133

كلمة المطران باسيليوس (منصور) في عيد الصليب المقدّس
باسم الآب والابن والروح القدس
الإله الواحد آمين
الإخوة والأبناء الأحباء،
في الأحد الثالث من الصوم نعيّد عيد الصليب المقدَّس. الذي قال فيه بولص الرسول: “حاشى لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح” ويطلب من الغلاطيين أن يكون الصليب مرسوماً ومرفوعاً فيما بينهم.
يحمل هذا العيد معاني كثيرة وخاصة، معاني حمل المسؤولية.

parents-crossهنا لن نعدد المسؤوليات الكثيرة التي تلقى عبر تطور زمن الشخص على كواهله بل سنتحدث هنا عن صليب واحد في المسؤوليات الكثيرة الملقاة على الشخص بالنسبة لمهامه العائلية التربوية، وهذه أيضاً لن نعرضها كلها بل سنكتفي بمهمة واحدة وهي الأصعب لأنها تطيِّب بملحها كل المسؤوليات الأخرى والنتائج التربوية، وكذلك التصرفات الآنية للفرد والمستقبلية.
تتلخص المهمة في تربية الأولاد على أسس الإيمان المسيحي الذي ابتداؤه “أحبوا بعضكم بعضاً لكي يعلم الناس أنكم تلاميذي”، وخاتمته “باركوا لاعينيكم أحبوا مبغضيكم أحسنوا إلى المسيئين إليكم”. وفي هذا الخضم الهائل والبحر الهائج المتموج من التيارات التربوية المتضاربة بعضها مع الفعل وبعضها مفسد لمجريات الطبيعة البشرية وغيرها من الطبائع الطبيعية، يسألنا الكثيرون، بعضهم عن حسن نية واستفهام، وبعضهم عن لؤم واتهام أين هو دور الكنيسة في تربية الجيل؟ ماذا يصنع الآباء الروحانيون للنشئ الجديد؟ كيف يحصِّنونه ضد المتغيرات الحديثة التي تأخذ بالعقل والذهن؟ ولا تبقي شيئاً على طبيعته.
هذا السؤال يحمل في ذاته تهرباً من تحمل المسؤولية أو تهرباً من الاعتراف بالفشل الذي يصيب دور الأهل في تربية أبنائهم أمام تحديات يليق ذكرها وأخرى لا يليق التفوه بها.
بالحقيقة هذا الفشل في ميدان تربية الأولاد على أسس سليمة، هو نتيجة لتقلقلنا نحن وعدم ثباتنا في عيشنا لهذه الأسس التي نطالب أبنائنا باعتناقها. عندما يرانا أبناؤنا أننا نحن الذين نحاول أن نحمّلهم أثقالاً بتنا أمامها أضعف من أن نلمسها ولو بإحدى أصابعنا. لذلك نأخذ بالكلام شرقاً وغرباً ملقين الاتهام على الكنيسة على المدرسة على المجتمع وعلى كل من يصدف في طريق حديثنا من حملة المسؤولية. من جهة ثانية نلقي الاتهام بالإهمال وعدم القيام بالواجب على الآخرين وكأننا نصرخ طالبين العون والغوث ممن نظن أنَّهُ بمقدورهم مساعدتنا أو عليهم مشاركتنا هذه المسؤولية.
نعم من حق الناس أن تسأل لماذا يتهاون الآباء الروحيون وقادة الجماعة الكنسية في واجباتهم ومن حقهم أن يطالبوهم بذلك. ولكن قبل هذا وذاك هل يتساءل الأهل عن مسؤوليتهم أولاً هم في تصرفاتهم الشخصية كيف سيصلي الأولاد إذا لم يروا ذلك في عيش أهلهم كيف سيشعرون بأهمية الكنيسة وارتيادها لمناولة الجسد والدم الإلهيين أي الشركة مع ربنا يسوع المسيح وبالتالي مع الجماعة أيضاً من خلال الاجتماع في سر الافخارستيا جنباً إلى جنب وبكل محبة مع الآخرين، وكذلك بعده من خلال اللقاء مع الصحب والأحبة وأبناء الرعية. هل يعيش الأبوان في جمعيات روحية يسأل الواحد الآخر بكل لهفة عن شؤونه وشجونه لكي يتعلم الأبناء أن الإيمان يلعب في حياتهم دوراً اجتماعياً هاماً.
أسئلة كثيرة جداً يمكن أن يسألها الشخص في هذا المجال وكلها تتمحور هل يتحمل الأهل مسؤولية تربية أبنائهم على الإيمان. حتى إذا ما صودف وشذَّ أحدهم يعرف أحدهم كيف يدخل وكيف يخرج في حل هذه المشكلة وعلى أية أسس وبأية جمل وتعابير مؤثرة يخاطب أولاده ليقنعهم بالعودة إلى الطريق الصحيح. لأن الكتاب يؤكد تأكيداً قاطعاً أن الإنسان الصدّيق لا يفشل ولا يضطرب بل يلقي همه على الله والله يحمل معه هذا الهم. قد يكون هذا التساؤل من باب سير الأحاديث أو تردادها ببغائياً. ولكن نقول إن ما يهتم له الأبناء هي الأشياء التي وجدوا أباءهم يهتمون بها ويعطونها من وقتهم ومن حياتهم فيقلّدونها في حياتهم عندما تتشابه الأحوال وتصبح الصور المأخوذة مقاييس وأنماط حياتية. فهل يا ترى ينجو الكهنة من النقد اللاذع من أبناء رعاياهم، مع أن الكهنة هم من المجتمعات التي جعلوا فيها رعاة. هل نكتفي بالحديث أمام أبنائنا عن الأشياء الإيجابية التي نعيشها في الصلاة والكنيسة والرعية من احتفالات في الأعياد ما ورثتنا إياه من تقاليد أم نهتم برواية ما قمنا به بالزمان من ألعاب وشيطنات خلال المخيمات والرحلات والاجتماعات وكيف كنا نسرق المفتاح من الكاهن وكيف كنا نزعج الجماعة بقرع الجرس ونحرق ثياب الكاهن في عيد الفصح بالألعاب النارية، وكيف أننا بشطارتنا قد خربنا جو الصلاة وصنعنا ضجيجاً في الكنيسة وقاتلنا فلاناً من أعضاء مجلس الرعية وأكلنا القرابين في غير وقتها هذه كلها نتحدّث بها في السهرات أمام أبنائنا ونحدث من خلال الرواية جواً مؤثراً ينطبع في أحسن الأحوال في ذهن الأبناء بأن الحياة في الكنيسة لا جدية فيها ولا نفع. نحن لا نروي لأبنائنا عن روعة الصلاة وانعكاساتها على كيان الإنسان بالفعل لأننا نتيجة لإنزال صليب المسؤولية هذا وإلغائنا له من حياتنا بتنا حائرين في خضم هذا البحر المتلاطم من المؤثرات التربوية كسفينة في وسط الأمواج العاتية وقد فقدت ربانها ودفتها فتضيع في أحسن الأحوال وتغرق في أكثرها.
إذاً مسؤولية الجميع وخاصة الأهل الذين عليهم أن يولوا الحياة الروحية في تربية أبنائهم اهتماماً كبيراً كما يولون اهتمامهم في تربيتهم لأبنائهم في المجالات العديدة مثل العلمية والصحية والبدنية والاقتصادية. وعلينا أن نعلّمهم أن يعطوا لله من أوقاتهم بأن نعطي لله نحن أهم أوقاتنا وأفضل كلامنا وأحاديثنا. وكل عام وأنتم بخير.
                            باسيليوس
                   مطران عكار وتوابعها

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share