عيد بشارة السيدة العذراء – المطران باسيليوس (منصور)

mjoa Monday March 30, 2015 95

عيد بشارة السيدة العذراء – المطران باسيليوس (منصور)
الإخوة والأبناء الأحباء،
في 25 الشهر من آذار عيّدنا عيد بشارة السيدة العذراء بأنها ستصبح والدة الإله. أي سيأخذ كلمة الله منها جسداً، ويخيّم بيننا كما قال الإنجيلي يوحنا.
في اللغة الليتورجيّة يدعى هذا العيد بعيد التجسد الإلهي، وذلك بحسب التعبير الوارد أعلاه. “والكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا”، ويؤكد الرسول بولص أن هذا التجسد، قد صار بواسطته كلمة الله مثلنا في كل شيء ما خلا الخطيئة. لكي نصبح نحن مثله في كل شيء بالنعمة بدون خطيئة ولا شائبة ولا فساد ولا شيء مثل ذلك.

Mother-Jan-2013هذا السر بحسب ترنيمة مساء الأربعاء باللحن الرابع نقول: “السرُّ الخفي منذ الدهور، وغير المعلوم عند الملائكة بك ظهر يا والدة الإله”، كان مخفياً حتى عن الملائكة، وبالحقيقة إذا تمعنا بكلام الملاك الذي وجهه نحو السيدة العذراء كمرسل من قبل الله: “إفرحي أيتها الممتلئة نعمة الرب معك (لو28:1) … لا تخافي يا مريم فقد نلت حظوة عند الله. فستحملين وتلدين إبناً تسميه يسوع. سيكون عظيماً وابن العلي يدعى ويوليه الرب الإله عرش أبيه داود، ويملك على بيت يعقوب أبد الدهر، ولن يكون لملكه نهاية… الروح القدس يحلُّ عليك وقدرة العلي تظللك لذلك يكون المولود قدوساً وابن الله يدعى”. ثم أخبرها الملاك عن حبل أليصابات، وانصرف من عندها بعد موافقة السيِّدة العذراء. وتأكدها من الحضور الإلهي غير المشكوك فيه، ونتأكد نحن من عدة أشياء:
أولاً يذكرنا هذا النص بحياة القديسين. يرد في سير حياتهم، حوادث وقصص عن ظهورات لا يواجهونها برضى في بادئ الأمر حتى ولو كان ملاكاً بل يطلبون دوماً من الظاهر أمامهم إما أن يرسم إشارة الصليب، أو يسجد لأيقونة المسيح، أو يرنم مديح العذراء، أو شي مثل ذلك. فإذا ثبت يكملون الحديث معه، وينصتون بكل تواضع وحذر كيلا تدخل الكبرياء الى نفوسهم. ولا يسمح الله بظهورات شريرة للإنسان المجاهد إلا إذا حاز مرتبة من النعمة، وتقدماً في الحياة الروحية. أي صار الإنسان المتقدِّس جندياً ليس فقط مختاراً في مملكة الله بل ومتدرباً على فنون القتال في الحياة الروحيّة. نرى أن الملاك في البدء اعترف للعذراء بنتيجة جهادها الروحي، وثمرات حياتها الفاضلة، ودعاها مباركة في النساء. هي مباركة في النساء لأنها لم تسمح لأي فكر شرير أن يدخل ذهنها ويزعزع كيانها، ولأنها نالت حظوة عند الله، أرسل عليها مواهبه المقدَّسة وصارت قادرة على إحتمال الحضور الإلهي بما اكتسبته من ثبات الشخصية، في ثباتها في الجهاد، وهي في عمر الطفولة وريعان الفتوة، ومكرَّسة لله بكل جوارحها. كما نقول في الطلبة الإلحاحية: “لنقل جميعنا لنقل من كل نفوسنا وأذهاننا…” حتى أنها صارت مستعدة للإستشهاد كرامة لما يريده الله منها وتحملاً لارساليتها.
تقبلت العذراء الإعلان الخطير عندما لم يبق لها الملاك مكاناً للشك، وكشف لها عن إرادة الله، وعن أعماله ورحمته لشعبه. ويبدو أنه قدَّم لها السلام والبشارة، وعليه علامات الرضى بتأدية الواجب. لا شيء يخيف الشيطان كما يخيفه حضور المسيح، أو أحد مجاهديه الثابتين. وخاصة أن في الإعلان مخطط الله الذي سيدمِّرُ كل مخططاته، ونجاحاته التي أوقع في حبائلها الجنس البشري، فاطمأنت نفسها للإعلان وقبلته.
نسمي العيد عيد بشارة السيِّدة العذراء، فيه أُعلِنَ لها عن رضى الله عنها، وأنها قد وصلت الى هذه المرحلة التي تستحق فيها أن تكون على مستوى المخطط الإلهي. وبالتالي أُعلنت لها مواهبها الروحية.
يعلمنا الرسول بولص أن لا ندَّعي شيئاً مَهْما جاهدنا لأن الله هو الذي يحكم فينا. وقد صلى أن لا يكون قد ذهب تعبه باطلاً. “الله يحكم فيَّ” كما هي حال جميع الذي يجاهدون الذين يطلبون أولاً وأخيراً رضى الله وحكمه. وبالتالي طالما حصلت على الرضى التام فهي مبشَرة بملكوت السموات، وهذا بغية الإنسان المؤمن، وهدف عيشه للفضيلة. فلولا القيامة لكنا أشقى الناس. يؤكد ذلك الرسول بولص.
البشارة في اللغة الخبر السار. وجمعها بشائر أي أوئل. كما يمكن أن نقول بشائر الربيع. بشائر الصبح أي أوائله. بشائر الزرع. نقول كثير من الأحيان أن الأحوال تُبشِّر بالخير. إذاً هناك بدايات يحياها الإنسان وتجارب يخوضها، يشعر بواسطتها أو بمعرفة مثيلاتها أنَّه متجه بالطريق الصحيح أو الخطأ. وعند ذلك يقرر هل يستمر على ما هو عليه أو يسلك طريقاً آخر. قد لا يتفاءل إنسان بالخير بشأن موضوع معيّن عندما يدرك أن أوائل الحالة التي هو فيها أو غيرها غير صحيحة، فيتنبه.
عندما يدرس الطالب جيداً يستبشر ذووه بالنجاح بالرغم من أن الإمتحان لم يقع، ولم تصدر النتائج. أمثلة كثيرة يمكن أن نطرحها هنا تؤكد على إدراك الإنسان لما يأتي بعد المظاهر أو الكلمات الأولى (المكتوب يقرأ من عنوانه).
هل توجد بشائر في حياتنا. أولاً علينا إعتبار بشارة السيدة العذراء – عيد التجسد الإلهي، بشارة لنا جميعاً ولكل واحدٍ منا شخصياً. لأن ما حدث في الناصرة منذ ما يقارب 2015 عاماً، هو ذاته مصدر فرح وسرور وتعزية لكل واحد منا على مدى الأجيال. هكذا بشَّرَ الملاك مريم العذراء “ولن يكون لملكه نهاية” فتصبح بشارة العذراء بشارة كل شخص لوحده.
كثيرة أنواع البشارة التي وضعها الله طبيعياً في الإنسان، وتعلن له عن مكانته، وهل نال حظوة أن لم ينل، الإنسان الفاضل يشعر دائماً بارتياح داخلي. يشعر الإنسان بعد الصلاة والمناولة بارتياح داخلي. ويكون ذلك أوائل موسمه الروحي فيسير قدماً فيما هو عليه، لأنه باحساس النعمة المعطى من الله يصبح الهدف واضحاً أمام ناظريه. أي أنه في النهاية سيصبح صاحب دالة وحضور أمام الله. أأظهر الله ذاته له ذلك في هذه الحياة أم أجَّلها للتي نحن قادمين إليها. فالله الذي لم يترك شعباً من الشعوب بدون كلمة البشارة والخبر السار، والعناية من قبله، لا يترك أيضاً إنساناً مهما بلغ وضعه في النجاح أم في السقوط إلا ويخاطبه ويعلن له أنه يحبه ويريد خلاصه. ومن سمع صوته فعليه أن لا يقسي قلبه لكي تدخل النعمة ويصنع الله عنده منزلاً ليقيم معه في الهيكل الذي هيأه له. ألا جعل الله كلَّ حياتنا بشائر الفرح والسرور ومتّعنا بسلامه الذي لا نهاية له فنمجده كل حين على جميع أعماله وصنائعه بشفاعات التي أرضته وصارت له والدة مريم العذراء سيدتنا جميعاً.
وكل عام وأنتم بخير.   
نشرة البشارة
29 آذار 2015

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share