كلمة المطران باسيليوس (منصور) في أحد الشعانين

mjoa Friday April 3, 2015 103

يا وديعاً، وبالوداعة أنت ملك السماوات والأرض. يا طيّب القلب وبطيبة قلبك ينام الأطفال وعلى هدهدات أصوات جداتهم وهنَّ يروين لهم عنك حكايات المحبة والوداعة يحلمون. يا سيد الخلق وضابط الكل لأنك وأنت الشفوق الرحوم البرئ من الشر قادر أن تصنع ما تشاء. لقد أتيت وحيَّرتنا وأربكت العالم. لأن العالم لا يعرف أن أصعب الأشياء تمتلك بأسهل السبل، وأن القلوب القاسيّة تفتتها دمعة طفل. يظن العالم أنهم بالموت والقتل والذبح ينتصرون وفي هذه هزيمة الإنسانية، تلملم جراحها في كل الجهات. كيف تُنظمُ لك التسابيح من فم الأطفال والرضّع، ورتاة القوم يملكون العلوم والفنون ولكن أية علوم وأية فنون وأية مسارح وأدوات موسيقيّة. أنت تريدنا كما خلقتنا أطفالاً في الشر جبابرة في الخير. هذه هي التسابيح التي تنظمها في حياة الطفولة، تضع الكلمات لتصدح لك بأغاني البراءة على شفاهٍ ما عرفت للشر طعماً ولا للفساد.

palm dayلقد رأيت يا سيدي أيَّ ارتباك حصل للبالغين في العمر الذين قست قلوبهم ولم يدركها الفرح. أما الفرح بمجيئك فقد أدركه الأطفال لأنهم تقبلوك كما جئت، وكما أردت. أما البالغون بالعمر فقد كانت لهم مخططاتهم، ولهذا خافوا من السلطة الرومانية، ولم تأتهم على مركبة من نار تحطم بها قلوب الأطفال على أبائهم وإخوتهم بل أتيت بادئاً منهم بإعطاء فرحك في قلوب الناس.
أنت تعرف أن من يريد أن يعيش سعيداً في هذه الدنيا عليه أن يعيش بقلب طفل، ومن يريد أن يرث ملكوت السموات عليه أن يصير كالأطفال.
في كلماتك “دعوا الأطفال يأتون إليّ لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات” دعوة للتخلي عن طرق العالم وتفكيره عن همّه ووسائل تدبيره، لم تقلها عن الطفولة الطبيعيّة فقط بل عن المجاهدين الذين يحفظون ذواتهم من الشر. والعالم يا سيدي يغذينا بالشرِّ غصباً عنا ولا يساعدنا في شيء إلا أن يفرقنا شيئاً فشيئاً في كل كبرياء وغضب. إن سمعنا منك استطعنا أن نحفظ العالم في مرحلة البراءة ونعمة الطفولة وإذا لم نسمع منك أو طنشنا على كلماتك ومناداتك كما نفعل دائماً لن نترك للأطفال ما يجدون فيه شيئاً من مكانتهم ولا لنا.
فإن عمّرنا المدن لا نترك لهم إلا القليل القليل، وذلك ليس لهم بل لكي ننعم نحن بسعادتهم. لأننا عندما نجد أن الربح في أن نلغي ما تركناه لهم فنستغلَّه غير آبهين بسعادتهم أو رؤياهم أو ما يتمنون. نصنع لهم أشياء كثيرة لأننا نعرف أننا بذلك نحقق ربحاً وفيراً. فالعالم يعلمنا دائماً على الأخذ لا على العطاء. وكل عطاء نقوم به يجب أن يكون له مردوداً وإلا لن يكون.
إذا تصارع الكبار من يهتم لما يريده الصغار ومن يستشيرهم ليأخذ برأيهم. العالم يا يسوعي يكسر قلوبهم كثيراً ويجرّحها تجريحاً عظيماً، يلقي في أخاديد الجراح هذه جراثيم الخطيئة من كلِّ نوع. لتلغي بوابات النفس المفتوحة بمفاتيح البساطة على سبل الجمال والخير.
لقد سطرنا للطفولة أغانيها وتفرحنا هذه الأغاني وتذكرنا بأيام الطفولة ونضحك من الذكريات ولا نعرف لماذا! هل بتنا لا ندرك كيف كان ذلك يحدث. ومن أسباب الضحك أن لا تعرف جواباً على واقع. أو لأننا بتنا في بليّة الخوف وشر البليّة ما يضحك. لقد أصبحنا موغلون في الشر والتعقيدات. إننا نتذكر تلك الأيام التي ما كان الخوف يجد له فينا مكاناً.
كنا نضحك مع الفرحين ونقف صامتين بمهابة مع الحزانى. فيا من أتيت على جحش وديعاً ومتواضعاً لا تهمل أطفال العالم فالأيام تزداد سوءاً ولا تترك الفاسدين يحرمونهم ابتساماتهم، ولا المجرمون يأخذون منهم أفراحهم بل إجعل لهم في كل وقت فرحاً وفي كل يوم سروراً وأعطهم الزمن الآتي مليئاً بالسلام وللجميع، يا سيّد الأطفال والبالغين.      
نشرة البشارة
29 آذار 2015

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share