أحــد الفرّيسي والعشّار
كلمة الراعي: التـوبـــة
“ افتح لي أبواب التوبة يا واهب الحياة ”
عبارة نستهل بها قطعة من الترتيل الكنسي سوف ترافقنا حتى الأحد الخامس من الصوم الأربعيني المقدس.
– فها نحن ندخل فترة إعدادية للصوم، ها نحن نرفع ابتهالا الى الله أن يفتح لنا أبواب التوبة. فالتوبة في مفهومها الأساسي تجاوز لذهنيتنا البشرية لنتبنى “فكر الله” في عمق وجداننا فيشع حينئذ كنور فينا ليضيء الكون بأسره.
التوبة سعي داخلي أن يكون الله كلاًّ فينا، إنها جهد يومي نواجه فيه ضعفاتنا وميلنا الطبيعي أن نحقق ما نحن نفكر أنه حسن لكي ننتقل مما نراه نحن جيداً الى مايراه الله حسناً بل حسناً جداً فتتحقق فينا “إرادته” وإرادته دائما تهدف الى بنياننا للوصول بنا الى ملء قامة المسيح.
نحن مدعوون الى التوبة أي الى طرح إنساننا العتيق الفاسد بشهوات خُدِعَ بها من المجرِّب المحتال الذي يبغي إماتتنا بإبعادنا عن الله مصدر حياتنا. وإذا ما طرحنا هذا الإنسان العتيق نلبس الإنسان المتجدد على صورة الله خالقه فنرجع الى الصورة البهية التي أُعطيناها أساساً، صورة الله القدوس الممنوحة لنا من الرب والتي لايزال يريدها لنا فتنازل إلينا لكي يغسلنا بالماء والروح.
نصرخ إليه “افتح لي أبواب التوبة” نعرف جيداً أنه إن لم يفتح لنا هو نفسه باب الخلاص، فلن نستطيع أن نخلص، نُلِحُّ عليه وتوسلنا يأخـذ “ لهجة أمر” يرتضيها بحنوِّه الـذي يفوق كل إنتظارنا فيستجيب صراخنا والباب ولو فُتِحْ إنما نستطيع نحن بسبب تهاوننا ألاَّ نـدخل عبره إذ أن الله لا يرتضي أن يجبرنا على ذلك الـذي فتحه عنـدما تنازل إلينا فانفتحت السماوات وأصبحت متصلة بأرضنا ولكنه مع ذلك يسعى أن يترك لنا حرية أبناء الله.
ولـذلك يُطلب منا جهـد ضـد أنفسنا وضـد العالم لكي نعبر هـذا الباب- إنه جهـد يكلفنا كثيراً فالطريق المؤدي الى الخلاص ضيق وعر لكن نعمة الله لن تتركنا لوحـدنا، “إن قوته في ضعفنا تكمل”، لـذلك نحن على يقين أن التوبة تتطلب منا جهـداً كبيرا يكاد في بعض الأحيان أن يعرضنا لليأس من متابعة الجهاد، ولكننا لسنا لوحـدنا: في توبتنا هـذه التي هي مسيرة خلاصية مستمرة بنعمة الفادي القـدوس، نحن نضع رجاءنا على الله ونتابع المسيرة المقـدسة فننتصر بالـذي وعـدنا أن نغلب إذا اتكلنا عليه وتابعنا جهودنا في السعي إليه.
أمامنا باب يفتحه الرب بنعمته ويعطينا قوة أن نجاهـد جهاداً حسناً لكي نسعى لعبوره فنجـد الحياة الحقيقية التي يعطينا إياها واهب الحياة الوحيـد.
أيها الأحباء، دعائي أن يقوينا الرب الإله جميعاً حتى نسلك بكل أمانة طريق التوبة التي يفتحها هو أمامنا فنجاهـد جهاداُ حسناً ونصل إلى الحياة التي فيه هو المبارك والممجـد الى أبـد الدهور.
مطران عكار وتوابعها
بولس
نشرة البشارة
العدد 7 – في 12/2/1995