بساطة الإنجيل – المطران جورج (خضر)
يحدثنا إنجيل اليوم عن صميم الحياة العصرية. بكلام يمسّنا اليوم بصورة خاصة.
المسيح، في العظة على الجبل -والنص مأخوذ منها – يدعونا إلى ان نكون بسطاء: سراجُ الجسد العين، إن كانت عينُك بسيطة فكيانك كلّه نيّر. البساطة تختلف عن السذاجة وعن التمسكن. المسيح لا يطلب هذه الأشياء. فقد قال الرسول بولس: كونوا حكماء للخير، بسطاء للشر (رومية 16: 19).
كونوا بسطاء أي انظروا إلى الأمور كما ينظر الله اليها، انظروا إلى كل أمر على حقيقته، هكذا تكونون نافذين الى صميم الوجود. انظروا إلى الانسان على حقيقته، وحقيقة الانسان أنه مخلوق على صورة الله. فإذا أردتم ان تُحلّلوه تحليلا دقيقا تفصيليا تجدون انه قد يكون ضعيفًا وقد يكون شريرا، لكنكم لا تستطيعون ان تُرتّبوا علاقاتكم معه على أساس ما يفعل. لا بد لكم من حكمة ومن بعض الحذر، ولكن لا تُغالوا في الحذر، بل التصقوا بهذا الشخص التصاقًا مباشرا بالمحبة، وهكذا ترونه في الأعماق، ليس كما يظهر، ليس بالخطايا التي يرتكب، ولكن انظروا اليه في أعماق نفسه حيث تجدون جمال الله. واذا أنتم أَوحيتم اليه بأنه جميل، يستيقظ الله فيه، وعندئذ يتجمّل بالحق، ويتشجّع ويعرف إمكاناته ويتقدم إلى الله.
الحكمة الحق أن نذهب إلى ما هو أبعد من التحليل والترتيبات والشطارة والمهارة، إلى ما هو لصيق بالإنسان مباشرة، بحيث تستفيق الألوهة فيه ويحب.
بعد هذا يضيف السيد بانيا كلامه على الكلام الأول: لا تستطيعون ان تمزجوا بين الله والمال. الناس يحاولون بعض خير وبعض شر، نصف خطيئة ونصف فضيلة يرتّبونها حتى ينجحوا في الدنيا وينجحوا في الآخرة. لكن هذا الحساب لا يوافق. المسيح قال: لا تستطيع ان تمزج بين الله والمال.
يجب ان نفهم لماذا لا نقدر ان نعبد الله والمال. قال الرسول: الطمع عبادةُ أوثان (كولوسي 3: 5). ماذا تعني عبادة المال؟ انها تعني أن نتّكل عليه، أن نجعله معتمدنا الأوحد بحيث لا نترك حسابا لإله يُنقذنا في الضيق أو يخلّصنا في اليوم الآتي.
عابد المال انسان لا يرمي نفسه على الله ولا يثق بالنهاية الا بحذقه وبتنظيماته وترتيباته، أي انه انسان يثق بعقله وحده، ولهذا كان هذا الانسان من وراء المال يعبد نفسه. ولماذا يعتمد المال أساسا ومتّكلا؟ لأنه يخاف. لماذا يخاف؟ لأنه لا يؤمن. لماذا لا يؤمن؟ لأنه يخاف. ولكن ماذا نقصد من وراء التعبّد للمال وإسلامنا له وانصياعنا لمتطلباته؟ بالحقيقة ما نريده هو التسلّط. طبعا نريد وجاهة ومجدا، وهذه نوع من أنواع السلطة نفرضها على الناس. المال أداة السلطة، أداة التحكّم. قد لا يكون الانسان سيدا على قومه، ومع ذلك تكفيه رؤية المال والتلذذ بهذه الرؤية حتى يحسّ بأنه سيّد.
والآن يتبادر إلى الذهن سؤال بسيط: ألا نجني مالا كثيرا؟ طبعا لم يقل يسوع لا تجنِ مالاً، لكنه قال: لا تهتمّوا في حياتكم باللباس وبالمأكل. لا تهتمّوا أي لا ينشغل بالكم بهذه الأمور لكن اسعوا سعيا حميدا، اسعوا وأنتم أحرار في سعيكم كالأطفال ببساطة المسيح. ولكن إلى أيّ حد نسعى؟ أيجوز ان نسعى إلى النهاية أي بأوقات نكرّسها كلها للجني؟ أنسعى ونحن نهمل عائلتنا والجوار وخدمة الكنيسة والوطن؟ بأي مقدار نسعى؟ هذا هو السؤال.
الانسانية لا تستطيع أن تبقى عاقلة ناضجة ذات حياة روحية وأن تسعى إلى المال بلا حدود. الخطر يداهمنا بحيث ننسى الرب وننسى انه هو الهمّ الأول وأن نطلب ملكوته وبره. لا ندرك ان المهم ان نجعله سيدا علينا، حاكما في قلوبنا لكي نراه مرسوما على وجوه الناس، كل الناس، ونبقى على هذه الروابط الأخوية التي تقوم بين العائلة والعائلة، بين الفرد والفرد في التعزية والمؤاساة والاتفاق. ما يجب ان نعقله هو ان نرتّب حياتنا كما يريدها يسوع بحيث يظل المسيح وقضيته وقيامته وإنجيله محور حياتنا.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
نشرة رعيتي
21 حزيران 2015