قضية الصلاح والشر – باسيليوس (منصور)
الإخوة والأبناء الأحباء،
يعالج فكرنا دائماً قضية الصلاح والشر، وعلاقة كلّ منهما بالإنسان من جهة، وعلاقة الإنسان بالله من جهة ثانية، وما هو دورنا نحن في عيش كلٍّ منهما. وعند المؤمنين أسئلة عديدة عن عمل الله في خليقته، وخاصة في إصدار الخير والشر في حياة الناس.
ونجد أن الكثيرين في أوقات الشدَّة ينسبون المصائب والمواقف الصعبة لله. مثلاً عندما يموت شاب أو والد أو والدة، ينبري شخص، ومن هول الحادثة ينطق بكلمات لا تسمع.
المهم في حديثنا اليوم هو كيف نعمل، وما هو الضروري لخلاصنا.
في اليهودية وبحسب تقليدات الشيوخ يعمل الإنسان جملة من النواهي والأوامر فيرتقي الى المكافأة الإلهية، وقد لا يرعوي للنواهي والأوامر فيخسر المكافأة، وكأنه بأعماله يصبح هو سبباً لخلاصه. لهذا عندما وقف الفريسي في الهيكل ليصلي أخذ في تعداد أعماله وفضائله، واعتبر ذاته بذلك سبباً لدالته أمام الله. أما الرب يسوع فقد كانت له نظرة أخرى، بحيث برَّر العشار التائب عن خطاياه، والمتواضع أمام الله، وقال: “نزل هذا مبرّراً دون ذاك”. هذا التبرير جاء بالرغم من عدم إستحقاق العشار إذا اعتبرنا خطاياه، ولكنه اعتبر ذاته أمام الله لا شيء، والله هو كل شيء فنال التبرير.
اليوم في كلام الرسول بولص إعلان رائع يجاوب على كل تساؤلاتنا، أولاً يتطلب الرغبة أي المحبة للعمل أو الحاجة له “لأن محبة الله قد أفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي أعطي لنا”.
فمحبة الله، هي نعمة من الله، وكذلك كل محبة، هي نعمة ودعوة من الله، اما أن نفعِّلها أو نصدَّها بقساوة قلوبنا.
الرسول بولص العارف جيداً بالإنسان وإمكانياته، وأحوال اليهود وناموسيتهم على وجه الخصوص، يؤكد على أنه ليس في الناموس خلاص، إذ لا يستطيع أيِّ كان أن يطبق كل وصايا الناموس الصعبة جداً لكثرتها، وكثرة تدخلها في حياة الناس وحركتهم. فيعتبر أن خلاص الإنسان هو أيضاً نعمة من الله، أعطيت لنا بغنى محبة الله: “لأن المسيح إذ كنا بعد ضعفاء مات في الأوان عن المنافقين”، “أما الله فيدل على محبته لنا بأنه إذ كنا خطأة بعد، مات المسيح عنا. فبالأحرى كثيراً إذ قد بررنا بدمه نخلص من الغضب”.
هذا إذاً هو عمل الله لخلاص البشر: أنَّه أحبهم وهم غير الطائعين لكلماته والعائشين عيشة لا تليق بكرامتهم كأعظم ما خلق الله. وقد صالحنا بموت إبنه، إذ قد أرسله هو لكي يحقق عدله المختصر بمحبته، “لأننا إذا كنا قد صولحنا مع الله بموت إبنه ونحن أعداء فبالأحرى كثيراً نخلص بحياته ونحن مصالحون”.
هناك التساؤل الذي يرد أيضاً على أذهان الكثيرين. إذ قد أصبحنا مخلَّصين، ولا مسؤولية لنا في جهادنا. وبالفعل وقع في هذا كثيرون من المسيحيين الأوائل، وأرادوا أن لا يحملوا الصليب مع يسوع المسيح لنصل بعد جلجلته الى أنوار قيامته، بل أخذوا يعيشون كما يريدون مع أهل العالم كالنيقولاويين أي أتباع نيقولاوس الشماس، والذين يعنفهم الرسول يوحنا في سفر الرؤيا. وكبعض الفرق العرفانية.
يقطع الرسول بولص هذا المنطق بتصريحات عديدة موجودة في رسائله، كالموجودة في الفصل الخامس الى أهل رومية: “وليس فقط هذا بل أيضاً نفتخر بالشدائد عالمين أن الشدَّة تنشىء الصبر، والصبر ينشىء الإمتحان، والإمتحان الرجاء، والرجاء لا يخزي”.
بتعبير أوضح يؤكد الرسول بولص في رسالته الى أهل أفسس: أنه بالرغم من “اننا بالنعمة مخلصون” إلا أن الأعمال الصالحة قد جعلت لنا منذ إنشاء العالم لنحيا بها. ولا نستطيع العيش بها إذا كنا خارج النعمة وبعيدين عن العلاقة مع الله”.
فالعلاقة مع الله تنتج الفضيلة، والفضيلة بثبات ترفع الإنسان الى مستوى حسن ومتصاعد في العلاقة مع الله. وهكذا تتوالى حلقات العلاقة، كمتوالية حسابية.
ما الذي يكمل ضعف الإنسان ويجبر سقطاته؟ العمل الخلاصي الذي أتمه ربنا يسوع المسيح على الصليب. وهو خلاص عام لجميع العالم، وبهذا العمل صار بإمكان الناس العودة الى الحياة الفردوسية، ولكن ما هو الدور الشخصي لكلّ واحد. فآدم عندما كان في الفردوس لم يكفه أنه كان بالفردوس، فالله قد وضعه هناك بلا تعب ولا جهد ولا عمل، ولكن كان آدم بحاجة لمشاركته الشخصية في التجارب مع محبة الله.
“قوتي في الضعف تكمل”.
هذا هو العمل الذي يريده الله منا، أن نثمر أثماراً تليق بالتوبة أي بإيماننا، وهذه الأثمار يسميها الرسول بولص ثمار الروح القدس، ويؤكد الرسول بولص أيضاً في رسالته الثانية الى أهل كورنثوس: “أننا سنقف أمام منبر المسيح”. ليؤدي كلّ واحدٍ حساباً عما فعله وأتى به من ثمار يليق بالاسم العظيم الذي حملناه.
فالإيمان هو البذار التي نهيء أنفسنا لاستقبالها، ثم تعطي البذار ثماراً تليق بهذا الإيمان، كاللطف والوداعة والمحبة والتسامح والتضامن. فالإيمان هبة من الله يتفاعل معها متلقيها إما سلباً وإما إيجاباً، وهذا الإيمان يفعلنا بالروح القدس، ويعطينا العزيمة. فإما اننا نتهاون ونتكاسل وهذا هو الخسران العظيم، وإما اننا نستقبل هذه الإستنهاضات بقلوبنا وعقولنا فتأتي بثمارٍ ثلاثين، وستين، ومائة، وأكثر من ذلك.
هذا هو المفهوم المسيحي للخلاص، إيمان وعمل، فالإيمان بدون عمل مائت، والعمل بدون الإيمان يبقى عبارة عن علاقات إجتماعية، سهلٌ كسرها والغاؤها. ونحن نريد ما هو جميل وفضيل وثابت.
ألهمنا الله دائماً أن نسقط كل فكر حسن من عقولنا الى قلوبنا لكي تسير عجلة الفضيلة في أشخاصنا. ويتزايد تسارُعها، فيتمجد اسم الله فينا. ونعمته لتكن معنا جميعاً.
نشرة البشارة
21 حزيران 2015