المَسِيحِيُّونَ الشَّرقِيُّون – المطران افرام (كيرياكوس)
يتكلّم الكلّ، اليوم، عن السَّلام في الشَّرق الأوسط، وما زالت الحرب مستمرَّة ومعها الخراب والضَّياع. الحرِّيَّة الدِّينيَّة مهدَّدَة، والتَّشنُّج الدّينيّ والمذهبيّ آخِذٌ في ازدياد. كانت هناك حركات قوميَّة وأحزاب تدعو إلى الصُّمود في الوطن والاِنخراط في العمل والتَّنمية الاِجتماعية في سبيل نهضة الشُّعوب. كذلك، تدعو إلى عدم الاِستسلام إلى الإرهاب وإلى القوى الظّلاميَّة الَّتي تبغي تمزيق البلاد، نافية أهدافها الشَّيطانيَّة الهدَّامَة للإنسان. هنا يقف المسيحيُّون الشَّرقيُّون ومعهم المسلمون “المعتَدِلُون” ضدّ التَّطرُّف وضدَّ التَّعصُّب الدِّينيّ الَّذي لا يخدم الوطن ولا الإنسان مهما كانت هويَّته واعتقاداته.
قضيّة المجتمع المَدَنِيّ مطروحَة، وستظلّ مطروحَة، إلى أن يسود حكمٌ وطنيٌّ يتساوى فيه المواطنون في الحقوق والواجبات، ويبقى فيه الاِعتقاد الدّينيّ شأنًا شخصيًّا حرَّةٌ ممارسته لكلّ واحد ولكلّ فئة من المواطنين. صيغة أهل الذِّمَّة قد وَلَّت بدون رَجْعَة، وهي لا تخدم حال الشّعوب ومصالحهم المعاصِرَة، لقد تجاوَزَها الزَّمن.
* * *
ترى بماذا يتميّز المسيحيّون الشّرقيّون في الشّرق الأوسط بخاصَّة؟. هم يرفضون أوَّلًا العَلْمَنَة المتطرِّفَة حتَّى الإلـحـاد، والسَّـائـدة في الـغـرب، كـما يرفضون الموجَة الإسلاميّة التّكفيريّة الَّتي تغذِّيها بعض الأطراف لأغراضٍ سياسيَّة ومصالِح اقتصاديَّة واضِحَة.
المسيحيُّ الشَّرقِيُّ يفهم نفسيّة إخوته المنتمين إلى أديان ومذاهب أُخرى، وهو يتعايش معهم بسهولة، لا بل بمحبّة فائقة، تغدو مِثالًا يُقْتَدَى به لتعايشٍ مشتَرَك، تسود فيها الحرّيّة في الممارسة، كما تسود المساواة الحقوقيّة أمام القانون العامّ في الوطن الواحِد. هناك تكامُل بارِزٌ وبنَّاءٌ يضمن شخصيّة بشريّة نامية ومتوازنة وخلَّاقة تُمَجِّد الخالق والخليقة.
* * *
يظنّ الكثيرون أنّ مِثَالَ العيش المُجْتَمَعِيّ والحضاريّ متوفِّر في البلاد الغربيّة. كيف يكون ذلك ونحن نشهد انحرافات جنسيّة وعُقْمًا واضِحًا في الزّواج والإنجاب، ممّا يؤدّي إلى الانقراض البشريّ، بل إلى أمراض نفسيّة حتَّى الاِنتحار.
نحن، في كلّ هذا، لا ننفي التّقدّم التّكنولوجيّ في نواحيه الإيجابيّة ممّا يبرهن على قدرات الإنسان الدّماغيّة غير المحدودَة.
المسألة هي في الحفاظ على توازن الشّخصيّة الإنسانيّة وتكاملها، وهذا لا يتمّ إلَّا بالرُّجوع إلى الله والقِيَم الرُّوحيّة الّتي تفوق الحدود البشريّة.
* * *
العالم اليوم في تمخّص كبير شرقًا وغربًا، يدفع الثّمن الكبير من دماء أبنائه. لقد حان الوقت أن يَعِي الظَّالِم والمظلوم مَغَبَّة حساباته، ويوسِّع عقله وقلبه، ساجِدًا لله خالقه الّذي أحبّنا حتّى الموت، وساوى بين الفقير والغنيّ وبين المثقَّف والأُمِّيّ.
أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
نشرة الكرمة
21 حزيران 2015