العطاء – المطران باسيليوس (منصور)
كلمة الراعي
الإخوة والأبناء الأحباء،
في الأحد السابق، سمعنا الرسول بولص موجهاً عدة تعاليم الى المؤمنين عبر رسالته المسماة الى العبرانيين. ويختم كلماته: “لا تنسوا الإحسان والمؤاساة فإن الله يرتضي مثل هذه الذبائح”.
دائماً البداية للإيمان، ثم المرحلة الثانية الأعمال، التي تبرهن على صحة الإيمان وحيويّته.
وعمود هام من أعمدة الحياة الروحية عمل الإحسان، ويوازيه المؤاساة. فكلاهما العطاء المادي والعطاء الروحي، يدخلان في مجال العطاء والتضحية، ويدخلهما تحت تسمية الذبائح. مقارناً إياهما بذبائح عظيمة في العهد القديم، والتي كانت رمزاً لذبيحة المسيح.
فمن يقرأ الكتب المقدَّسة سيجد عظمة هذا الشيء، وسيتضح له أن أعظم شيء يعمله المؤمن من العبادات هو الإحسان والعطاء وخدمة الناس بكل محبة. فأي الفضائل قادرة على قرع أبواب السماء أكثر من إطعام المساكين، وإكساء العراة، وزيارة المساجين، وتعزية الحزانى، وعيادة المرضى. هذه، شرطٌ توفرها في عمل الإنسان لدخوله الى السماوات.
العطاء يلد بعدَّة إتجاهات. فالله يبارك المعطي، ويبارك في ماله، ويكثر من إفتخاره وسعادته. والمعطي ينال عشرة أضعاف أكثر مما أحسن به. والعطاء لا يحسب حسنة واحدة بل عدداً لا يقدّر من الحسنات، فحسنة واحدة تغفر جماً من الخطايا. فمن يهمل بركةً عظيمةً مثل هذه، هي بين يديه يرسلها هو الى السماء حيث لا ينقب السوس ولا يسرق السارقون.
الإنسان المعطي، له دالة على الله. يقول الكتاب من يعطي المسكين أو يرحم المسكين يقرض الرب. ومن حق الدائن مطالبة المدين.
تخيل أنك ستقف يوماً أمام الله مع جميع الناس، فتتقدَّم وأنت كلّك ثقة وفرح بأنك ستجد ديْنَك عند من سيحاسبك لتقول له أعطني ما أودعته عندك. بالحقيقة لن ينتظرك أيها السيد المعطي المتهلل بل سيشير الى ملائكته أن يرافقوك الى مستودع ما أودعته في السماوات من أعمال البر والرحمة والإحسان حيث لن تتقاضى ما كنزته في الأهراء السماوية بل أكثر من ذلك بكثير. وهو ما عبّر عنه الرسول بولص بقوله: “ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر ما أعدّه الله للذين يحبونه”. لهذا يتفاخر الرسول بولص ويقول: “حاجاتي وحاجات الذين معي خَدَمَتها هاتان اليدان”، ثم يقول: “من يبكي ولا أبكي أنا، من يفرح ولا أفرح أنا، قد صرت كلاً للكل لكي أربح الكل للمسيح”.
التعزية إذاً متعدّدة الجوانب، المهم أن يجد الإنسان رحمة في قلبه لكي يتشارك مع الأخرين في مجالات حياته.
إن الذين يأكلون ويشربون في هذه الحياة من غير أن يمتلكوا رحمة في قلوبهم ويصرّفوها أعمالاً ستكون عاقبتهم حيث لا رحمة، وبئس المصير. فالدينونة تكون بلا رحمة للذين بلا رحمة.
ونحن نعلن في القداس الإلهي قبل أن يعلن الكاهن الأمر أن نضع قلوبنا فوق يرتل المرتل “رحمة سلام ذبيحة التسبيح”.
فالعطاء ذبيحة نقدّمها لله، والرحمة ذبيحة نقدمها لله، ولكن كلٌّ منهما يصطبغ بشخصياتنا بالرغم من ماديّة الأولى وروحانية الثانية.
نسأل الله أن يَهَبنا جميعاً قلوباً مليئة بالرحمة لكي نقوى في هذه الأيام العصيبة على تخطي ذواتنا وملذاتنا، وننطلق نحو الآخرين بما يكسي عريهم، ويسد جوعهم. وبالكلمات والمواقف الطيبة، لنعزي نفوسهم التعيسة فقد فقدوا البيوت، والأرزاق، والأعمال، ولكي نبحث، كلٌّ في رعيته عن الذين يحتاجون فيؤمن لهم القادرون حاجاتهم. فيتبارك الله في أعمالنا، ونظهر مجده بأخلاقنا وتصرفاتنا.
نشرة البشارة
12 تموز 2015