عفوك يا مسيحي – المطران سابا (اسبر)

mjoa Thursday July 16, 2015 120

عفوك يا مسيحي – المطران سابا (اسبر)

نشرت بطريركية القدس الأرثوذكسية منذ بضعة أيام بياناً تُعلم بواسطته “الكنائس الأرثوذكسية الشقيقة وشعب بطريركية أورشليم بصراحة وبالحقّ” عبر بعض نقاط، لا تحمل شيئاً من الحقّ، بتعدّيها على أراضٍ تتبع لرعاية الكنيسة الأنطاكية قانونياً وتاريخياً حسب النظام الأرثوذكسي.

saba esberيختصر البند الأول تاريخ نشوء رعية قطر حتّى تسمية رئيس أساقفة عليها. وتقول في بداية السرد التاريخي إنّها “استجابت لمسيحييّ قطر، التي تقع في منطقة نطاق صلاحيتها الكنسي”. بينما،الواقع يفيد أنّها تتبع لسائر المشرق، لقب كنيسة أنطاكية منذ تأسيس البطريركيات الرسولية الخمس الأولى.
وكلّ مطّلع على التاريخ الكنسي، ولو قليلاً، يعرف أنّ آباء المجمع الرابع المسكوني، المنعقد في نيقية في العام 451م، قرّروا “إكراماً لآلام السيّد وقيامته” رفع مقام المدينة المقدسة، وكانت آنذاك أسقفية تابعة للبطريركية الأنطاكية، إلى رتبة بطريركية؛ وهذا ما تم. وبمرور الأيام، أعطتها أنطاكية بعضاً من أسقفياتها، ليكون لها كيان بطريركي. نذكر على سبيل المثال لا الحصر، أنّ حيفا بقيت أسقفية أنطاكيّة حتّى القرن الثامن عشر.
يذكر البيان أنّ خدمة مسيحييّ قطر بدأت “في كنيسة في البيوت” وأنّه لم “يكن هناك أيّ حضور لبطريركية أنطاكية”. أقل ما يقال في هذا الكلام إنّه حقّ يُراد به باطل. فالخدمة بدأت في البيوت، وفي بيت السفير الأمريكي، حصراً، الذي كان أرثوذكسياً في ذلك الوقت، لأنّ قطر آنذاك لم تكن قد بدأت بالسماح بإقامة الخدم الروحية المسيحية. وهذا ما منع الكنيسة الأنطاكية، بشخص راعي الأبرشية المشرفة على قطر، المطران قسطنطين بابا ستيفانو، من تأمين الخدمة الليتورجية بشكل منتظم؛ مع العلم أنّه زار قطر مرات عديدة، وأقام خدمات ليتورجية عديدة فيها.
فإذا كانت البطريركية المقدسية، وبدعم السفير الأمريكي، لم تتمكّن من تأمين الخدمة بانتظام إلا في البيوت، وليس في مبنى مخصّص، إلا بعد سنوات، فكيف تسمح لنفسها بلوم أختها الأنطاكية وتستبيحها؟ أما كان العرف الكنسي والقانوني والأخوي – لئلا نقول المحبّة – يوجب عليها طلب الإذن بتأمين الخدمة الروحية للمؤمنين القاطنين في ذلك البلد، كما فعلت الكنيسة الروسية عندما استأذنت أختها الأنطاكية من أجل بناء كنسي، في الشارقة، للروس الكثر الموجودين في دولة الإمارات العربية المتحدة؟ وهذا ما تمّ فعلاً. واليوم، يرفع الكاهن الروسي حيثما خدم القدّاس في الإمارات العربية، وبحسب التقليد الأرثوذكسي، اسم البطريرك الأنطاكي إلى جانب الروسي، اعترافاً من كنيسته بأنّها تخدم مؤمنين على أرض أنطاكية.
ثم لنتساءل، هل تأمين الخدمة الروحية للمؤمنين بواسطة كاهن، أخ من كنيسة شقيقة يخوّل هذه الكنيسة حقّ اعتبار الأرض لها، وتنصيب أسقف عليها، واعتبارها تابعة لها؟ لعمري إنّ هذا لا يحدث إلا بين دول متنازعة وعندها توجّه استعماري!
إلى ذلك، تتّهم الكنيسة الأنطاكية بالإثنية وهي التي تخدم جميع الأرثوذكس المتواجدين في الخليج العربي والمتحدرين من جنسيات مختلفة، وتستخدم العربية واليونانية وأحياناً الروسية والرومانية في القداس الإلهي. أما في أمريكا الشمالية واستراليا، فتستخدم الإنكليزية، وتبلغ نسبة المؤمنين المهتدين، من أصل غير عربي فيها، خمسين بالمئة. وفي أميركا الوسطى والجنوبية، ترجمت منذ زمن طويل الخدم الإلهية إلى الإسبانية والبرتغالية.
كنيسة أنطاكية المشهود لها عالمياً، والتي حفظها الله من تجربة الإثنية، والتي لعبت، ومازالت، الدور الأهم على صعيد تحقيق الإكليزيولوجيا الأرثوذكسية، يتّهمها البيان، زوراً وبهتاناً، بأنّها “تقارب المسألة على أساس إثني عرقي”. فاضحك يا رعاك الله. حقاً بلغنا نهاية الأزمنة!!
ويزداد ضحكك عندما تعرف أنّ البيان المقدسي قد بنى اتهامه هذا على رسالة ليس لها وجود، كُتبت ونُسبت للبطريرك يوحنا العاشر، ووُضع على لسانه فيها ما لم يقله، يوماً، أرثوذكسيّ فيه ذرّة عقل. زعموا أنه يطالب برعاية الأرثوذكس في قطر لأنّه “يمثّل كلّ البلدان العربية، من دون أيّ استثناء يُذكر (العراق، سوريا، الأردن، لبنان، أورشليم، مصر، البحرين، الإمارات، إيران)”. هل إيران دولة عربية؟ لم نسمع أنّها
قد استبدلت لغتها الفارسية بلغة أخرى!!!
كما أنّ أيّ إنسان يلمّ بالواقع الكنسي، إلماماً ضحلاً، يعرف أنّ مصر وكلّ أفريقيا تتبع بطريركية الإسكندرية، التي يُنسب تأسيسها للقديس مرقس الإنجيلي، وهي بطريركية رسولية قديمة، وتحتلّ الترتيب الثاني، بعد روما قبل إنشاء القسطنطينية، وما تزال تحتلّه أرثوذكسياً حتّى الآن، وهي بذلك تسبق أنطاكية التي تحتلّ المركز الثالث أرثوذكسياً.
أمّا بطريركية القدس، فترعى مدينة القدس، وكما قلنا سابقاً، أعطتها البطريركية الأنطاكيّة، مع الزمن، أسقفيات موجودة في فلسطين والأردن الحالي. منها عشر أسقفيات، واقعة في الأراضي الأردنية الحالية، وكانت تعود لأبرشية بصرى، التي استفاق البطريرك المقدسي فجأة ليعتبرها تابعة لنطاق بطريركيته.
لولا دفاعنا عن حقّ الكنيسة وشرفها لكنّا نخجل من التكلّم بهذه الوقائع المعيبة.
أما أكثر ما يجرح فهو التكذيب “الباطل” للبطريركية الأنطاكية “جملةً وتفصيلاً”، وهذا “أدب” لم يسبق أن تعاطته حتّى الدول المتنازعة في ما بينها، فكيف بكنيسة يسوع المسيح؟!يصل البيان إلى حدّ إنكار الاتفاق الذي تمّ في أثينا، في وزارة خارجية اليونان، في بدء صيف 2014. والأبشع من ذلك، استدعاء “شهود البطريركية المسكونية ومديرية الكنائس”بالطبع لتأكيد عدم وجود هذا الاتفاق الذي نشرته وسائل الإعلام اليونانية في حينه.
إلى أيّ واقع تردّت كنيسة القدس “أمّ الكنائس”، ومن أجل ماذا هذا السعي المحموم لاحتلال أراضٍ لكنيسة أخت؟! وبدل تطبيق قول الرسول “من يضعف ولا أضعف أنا”، نجد الأخ يطبّق المقولة التالية: “من يضعف ولا آكله أنا”! حقاً إنها لمهزلة مريرة تقف الكلمات أمامها عاجزة. صدق من قال يوماً: صارت المحبّة الفاعلة عند الأرثوذكس أغنيةً مملّة. لا عَجَب إذاً أن تصبح الطوائف الأخرى ملاذاً للهاربين من جحيم من يفترض أن تكون “أمّ الكنائس”. حقاً إنّك غريب ومرذول أيّها السيد في كنيستك!
والأدهى من الكلّ، أنّ البيان يُختم بالإعلان عن طيبة ووداعة!!!! تفرضان استمرار “ذكر كنيسة أنطاكية الأرثوذكسية الشقيقة وذلك من أجل وحدة الكنيسة”. وكأن وحدة الكنيسة وحدة مظهرية تتم بالذكر فقط، خارجاً عن المحبّة والحق. أيّ وحدة هذه خارج الحق؟!! أيّ وحدة هذه بالزور والبهتان؟!!! أيّ وحدة هذه بالاستقواء بكلّ ما ينتمي إلى هذا العالم، عدا إنجيل يسوع المسيح الحقّ؟؟!!
وهل ما زلنا نتساءل لماذا يهجر الناس الكنيسة؟!

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share