الأرثوذكسيَّة – المطران افرام (كيرياكوس)
الكلمة، “الأرثوذكسيّة”، تعني العقيدة المستقيمة، التَّقليد القويم. هي طريقة عيش مَبْنِيَّة على النُّسْك (ascétisme)، على البساطة في الحياة “طوبى للمساكين بالرُّوح لأنَّ لهم ملكوت السَّماوات” (متَّى 5: 3). المساكين بالروح مُتَّكَلُهم هو الله. الأرثوذكسيّ الصَّحيح يسعى، دومًا، في طريق الكمال: مارًّا بالتَّطَهُّر والاِستنارَة حتَّى التَّأَلُّه. “كونوا كامِلِين كما أَنَّ أباكم الَّذي في السَّماوات هو كامِل” (متَّى 5: 48). نعم!، الأرثوذكسيَّة تسعى إلى خبرة التَّأَلُّه. تَذَوَّقَها، مَلِيًّا، أصدقاءُ الله (philothei) الَّذين ظهر لهم الله، كما لإبراهيم واسحق ويعقوب. هي خبرة الأنبياء، الرُّسل والقدِّيسين. تُفِيدُنَا هذه الخبرةُ أنَّنَا لا نستطيعُ معرفةَ اللهِ في جوهرِه. الجهادُ الرُّوحيُّ يساعدُنَا على الاِشتراك، فقط، في قواه غير المخلوقَة (Energies non créées)، أي ما يصدر عنه عن طريق النِّعمة الإلهيَّة.
الأبُ الرُّوحيُّ الأرثوذكسيُّ يكتسِبُ فضيلةَ التَّمييزِ بين ما هو مخلوق وما هو غير مخلوق. يميِّزُ ما هو لله وما هو لغيره، للشَّيطان مثلًا (راجع عب 5: 14 و1يوحنّا 4: 1). الهرطقةُ هي عدم التَّمييز بين قوى الله المخلوقَة وقواه غير المخلوقَة، أي بين روح الله وروح الشِّرِّير. تأتي (الهرطقة) نتيجةَ عقلٍ مُظْلِمٍ غير مُسْتَنِيرٍ ومُشَوَّش. العقلُ المُظْلِمُ ينطلقُ من تَخَيُّلٍ عقليٍّ لا من إِلْهَامٍ إلهيٍّ.
هناك فرق بين العقل كـ”دماغ بشريّ”، خلقه الله ليتدبَّر الإنسان به في أمور حياته، وكـ”قلب”، كجهاز يستطيع الإنسان بواسطته أن يتَّصل بالله.
الإنسان النَّقيّ في عقله وفي قلبه يستطيع وحده أن يُعَايِنَ الله مع قديّسيه بالنِّعمة الإلهيَّة، “طوبى لأنقياء القلوب لأنَّهم يعاينون الله” (متَّى 5: 8). كثيرة هي الظُّهورات والأحلام الَّتي تأتي من الخيال أو من الشِّرِّير.
كلّ هذا يجعلنا نعطي أهمِّيَّة لعمليّة التَّوبة والاِعتراف كي نتطهَّرَ من أهوائنا (passions).
* * *
الإيمان الأرثوذكسيّ القَوِيم يُكْتَسَبُ عن طريق الخبرة، خبرة التَّوبة والاِستنارة ومعايَنَة الله، عن طريق تنقية العقل والقلب
إنَّ ضياع العقل وشرذمته، بداعي الأنانيَّة والخطيئة والمصالِح الشَّخصيَّة، يُبْعِدُ الإنسان، اليوم، عن محبّة الله ومعرفته، وأيضًا، عن محبَّة الآخَرِين. من هنا تأتي الحروب وصراعات الدُّوَل والأشخاص والاِنغماس في الرَّذائل والاِنحرافات، مِمَّا يُبْعِدُ الإنسان عن خلاص نفسه وعن التَّمتُّع بالمجد الإلهيّ.
نشرة الكرمة
19 تموز 2015