الحنان – المطران باسيليوس (منصور)

mjoa Monday July 27, 2015 92

الحنان – المطران باسيليوس (منصور)

“فلما خرج يسوع أبصر جمعاً كثيراً فتحنن عليهم وشفى مرضاهم”
أيها الإخوة والأبناء الأحباء،

في الآية كلمات تلذُّ للنفس وترتاح لها لأن كل إنسان يطلب الحنان من الله وحتى من الآخرين من أمثاله. فالطفل يرتاح لحنان والدته وعطف والده والمرأة تحتاج لحنان زوجها والرجل لحنان إمرأته وخاصة بعد عودته من عمل النهار وقسوة التعامل مع الناس.

HANDSففي كثير من الأحيان يحلُّ الحنان مكان المحبّة في قلب الإنسان وتعاملاته والحنان أقلُّ نقاءً من المحبّة ولكنّه أفعل في المشاعر. نحن نقول في صلاتنا عن ربنا يسوع المسيح أنَّه محب البشر ولكن نقول أيضاً “يامن في كل وقت وفي كل ساعة… الجزيل التحنن… ويرحم الخطأة” الرحمة هي النتيجة العمليّة للحنان.
يبدو أن ربنا يسوع المسيح قد كان منفرداً مع تلاميذه وسمع من الناس أنَهُ هناك ولهذا تبدأ الآية بكلمة فلما خرج من خلوته، إذاً الذي دعاه للخروج من المكان الذي كان فيه هو الجمع الكثير الذي أحاط بالمكان ويبدو أن منظر البؤس والتعب على وجوههم قد أثَّرَ فيه.
في الآية (مت13:14) تبرير لما حدث مع يسوع بأنه كان لوحده لأنه بعد مقتل يوحنا ذهب الى مكان قفرٍ وانفرد فيه ولكن الناس عرفت به فتبعته. إذاً ربنا يسوع المسيح كان منفرداً عن الناس وعادة في إنفراده كان يستسلم للصلاة ومن عرف الصلاة معرفة حقيقيّة ودخل في أسرارها يمتلئ قلبه حناناً ويزداد هو لطفاً ووداعة وحقاً.
الإخوة والأبناء الأحباء،
يقول كتاب أعمال بطرس الرسول أن الحنان أو الرحمة هو الجانب الأنثوي من المحبّة إذ يوجد سبب ما ليقدِّم الإنسان محبته. وبناء عليه نفهم تماماً ما قام به الله تجاه البشر الذين سقطوا في وهاد الفساد وأدراج الخطيئة. ففي مكان آخر يقول الإنجيل أنَّ ربنا يسوع المسيح قد رآهم منطرحين كغنم لا راعي لهم فتحنن عليهم. حنان الله أي محبته للبشر قادته الى عمليّة الخلق وخاصة خلق الإنسان ليكون شريكاً في ملكوت السموات وينقذه من بؤسه وبؤس الخطيئة. في سر التوبة والإعتراف إنعطاف هائل من قبل الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله لديه كمّ هائل من الحنان وهو ما نسميه عاطفة.
نقول عن إنسان أنه عاطفي أي يتصرَّف بحنان تجاه الناس. وهنا يجب أن ننتبه أن العاطفة لا تكون بلا تفكير عقلي بل التفكير العقلي المقاد من العاطفة لا يكون جامد بلا إحساس. الإنسان العاطفي يمارس إنسانيّته أما الذي يفكِّر فقط بعقله  فهذا الإنسان جامد وفي كثير من الأحيان يكون فاقداً لإنسانيته. فيعامل الناس بعقله وبناءً على حسابات ومثل هذا الإنسان لا يدخل القلوب بل يبقى خارجها. في مثل الإبن الشاطر لما عاد الولد الضال وكانت عودته بهيئة اليائس والفقير تحنن عليه أبوه بعد أن رآه في تلك الحالة المزريّة.
إن الرحمة تقود المجتمع البشري على الطريق الصحيح وتضعه  على درب الخلاص والقيامة. فعالم يعتمد على العقل سينتهي بالدمار أما العالم المعتمد على العقل والحنان هو عالم الرجاء أو المنتظر (الرحمة والحق تلاقيا) الذي تتوق إليه كلّ النفوس ولن يوجد فيه أشرار ولا دمار ولا استغلال.
الرحمة والحنان يعطيان لعالمنا طعماً بدونهما لا يحتمل. الرحمة والحنان ينقذان الناس من كوارث ومن خطايا عظيمة تقيهم صدمات الشرير.
كان من الممكن أن يعبر غضب الله عن صدوم وعمورة لو وجد فيهما عشرة من الأبرار نتيجة لحنان ابراهيم ورأفته ومخاطبته الله.
إن الشعور الهائل بالبعد عن الله والمر على نفوس النساك جعلهم يشفقون على الشرير ولهذا يصلون الى الله أن يعطيه فكر التوبة وأن يجبره على قبوله. إن الحنان الحقيقي هو الذي يقود الى العمل الأقوم.   
نشرة البشارة
26 تموز 2015

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share