خارج السفينة وداخلها – المطران جورج (خضر)
يصوّر لنا إنجيل اليوم علاقتنا الدائمة بالمخلّص. فالعاصفة في بحيرة طبريا هي كالعاصفة في كل مكان، عاصفة العمر. وفي عمرنا يمشي الرب على المياه أي انه يتخطّى صعوباتنا ويرفع عنا كابوس الشر، ويجعلنا مخلَّصين في سفينة الكنيسة المقدسة وهي تعبُر هذه الحياة حيّة بربنا الذي يسكن فيها.
قد نتساءل لماذا دفع يسوع تلاميذه باتجاه العبر في البحيرة؟ ألعله أراد أن يمتحن إيمانهم في اليوم التالي أو في الليلة نفسها عند الربع الأخير من الليل؟ ألعلّه أراد أن يقبلهم في سرّ أُلوهيته، أم انه كان في حاجة إلى هذه الصلاة التي قضاها في الليل مع الآب لكي يستمدّ في ناسوته كل قوة من أبيه، أو لعلّه كان في حنين إلى هذا الكلام مع الله؟
وبعد ان تشدد يسوع بالصلاة على هضبات كفرناحوم، أخذ يمشي على سطح المياه حتى أَدرك سفينة التلاميذ. وتراءى لهم في الضباب، والليل لم يكن قد انتهى بعد، ان ثمة شبحا فخافوا. الانسان إن كان محاطًا بضباب خطاياه أو اذا اسودّت الدنيا في عينيه، لا يستطيع ان يرى الله نيّرا ولا الأشياء البسيطة. لا بدّ لله من أن يُبادر وأن يُبدد الغيم في النفس وأن يزيل كل غشاوة وظلمة من أعيننا. الرب نفسه هو المبادر لأنه هو المحبّ.
لمّا شجّع يسوع تلاميذه قائلا: “ثقوا أنا هو، لا تخافوا”، تحمّس بطرس لكي يذهب إلى المعلّم لأنه لم يحتمل الانتظار. أراد ان يلتصق بالرب مباشرة فقال: “يا سيّد مُرني أن آتي إليك”. كان بطرس تلميذا مطيعًا وما أراد أن يهجم هجومًا، أراد ان يُدعى دعوة. فسمح له السيد بذلك.
ولمّا كانت ألحاظ بطرس مسمّرة على ألحاظ المعلّم، كان يمشي بخفّة فوق المياه لأنه كان يحيا بهذا الذي كان يأتيه. كان يتقوّى بالطريق. لكن لما رأى الريح، أخذ ينزلق. كان عليه أن لا يرى الريح، أن يتجاوز كل حاسّة ترابية كانت تجعله لصيق الأرض، أسير هذه الدنيا. عاد بطرس سجين اضطراباته، عاد إلى شكوكه، ولذلك برزت الدنيا من جديد على انها أخّاذة، فعّالة. لم يستطع إلا للحظات أن يرى المسيح غالبًا الطبيعة، بعدها أخذ يغرق.
كلنا على هذه الحال: إمّا أن تطغى علينا شهواتُنا ومنافعنا فيتراءى لنا المسيح خيالا، أي انه لا شيء، وندّعي أننا مسيحيون ويُكتَب لنا هذا على ورقة. ولكن كل ما نقوله وما نسلك بموجبه وما نفعله، كل هذا يُظهر ان المسيح لم يصبح حقيقة في قلوبنا، وانه لا يزال خيالا.
ولكن إن استطعنا أن نمشي على المياه بنفحة يسوع، أي إذا تغلّبنا على العاصفة وفصلنا أنفسنا عن هواجس الناس ولم نعد سجناء لأحد، إن أَسلَمْنا للسيد، عندئذ يمُدّ لنا يده ويُبقينا أمام وجهه ويُدخلنا إلى السفينة، إلى كنيسة الخلاص، حيث نقول له جميعا: “أنت ابنُ الله”، أي أنت الملك الوحيد الذي نريده سيدا على قلوب تتطهر وعلى إرادات تتشدّد.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)