كلمات إنسان تائه بين ذاته والعالم – المطران باسيليوس (منصور)
“كتب هذه الكلمات إنسان تائه بين ذاته والعالم، بين إرضاء الله وإرضاء الناس. وأدرك أن رضى الناس لا يأتي إلا برضى الله، ونتيجة له، إلا إذا كان الشرُّ قد تملك في نفوسهم”.
إلــــــــهي
لا أجرأ على الكتابة إليك وعنك.
أخاف أن أقارب الكلام معك. لقد أحزنتك. لقد أحزنتك بابتعادي عنك، وكان شعوري عارماً وقوياً بالخزي أمامك، لأنني أحببتك، وحبّي لك أقلق ضميري وفكري لما وعيت أنني قد أضفت الى جراحك جراحاً، وجعلت الذين لا يحبونك يستهزؤون بك ويجدفون على روحك القدوس. وإحزاني لك لا يعني أنني جرحت الحب الذي لك في صدري فأنت تملأ فكري، وليلي ونهاري، الى جوارحي أريد أن أنزلك لأصنع لك هناك عشاً يا يمامة قلبي لعلّك تصبح النسمة التي بها أحيا، والطعام الذي به أتقوى. إنَّ حالي معك كحالِ الطفل مع أمه. إذا أزعجتك وأحزنتك أخاف نظرات حزنك فألتجيء الى قدميك متمسكاً بهما لأنني أعرف أنك الحب كل الحب.
بكليتي كنت مقاداً منك إليك وفيك، ولكنني ظننت أنَّ الحريّة أيضاً هي خارج الحب، وبعيداً عن كلمتك. فكان ذلك الفكر الباب الذي منه دخل الشرير الى نفسي. لقد دخل الشرير وسبعة أشرَّ منه.
هذه المرَّة لم يكونوا من الذين في الجو.
كانوا أحبتي الذين عليهم ألقيت ثقتي. إلى كلامهم أصغيت بسمعي ظننت أن كلامهم يحمل رحمة، ولكنني وجدت في أفواههم سمُّ الموت.
إعتقدت أنهم عرفوك، وأنهم تحرروا بالمعرفة خلال السنين الطويلة.
ولكنني ما عرفت، وما أدركت أنهم لم يجالسوك كثيراً، ولم يستقبلوك في مزود بهيميّتهم، ولا صنعوا لك عشاءً، ولا غسلوا رجليك حتى بالماء، كانوا حسني المنظر كلامهم معسول، ولكنهم كانوا بحسب هذا العالم من حكماء هذا الدهر. ولكنهم أمام هبوب الروح والنسيم اللطيف ما كانوا يعرفونك، ولا أدركوا وجودك.
لقد إكتشفوا ذواتهم، وأقوالهم الليِّنة كالنصال كانت أضخم من الباب الضيق، وأحقر من طعام الخنازير.
يا يسوعي عرفت أنك تنتظرني في كلِّ يوم عند غروب الشمس كنت تتمشى، وفي نفسك شوق إليَّ وخوف عليّ يدفعك الى ذلك. حبُّك الذي وسع السموات والأرض. كنت تقف على الصخرة العالية أمام مسكني القديم معك، رانياً ببصرك نحو البعيد، وأنا في ذاتي كذبت على نفسي فما تفكرت يوماً، وما ظننت أنني بعيد عنك.
حتى أيقظني صوتُك. كلمات إنجيلك حرَّكت فيَّ شعوراً عرفته من قبل لما كنتُ محتمياً مع الصادقين.
أحمدك يا إلهي لأنك ما أسلمتني الى الهوان، ولا جعلتني سخريَّة لأعدائي. كنت أشعر بك أحياناً تناديني من بعيد. كانت أمواج صوتك تنبّهني كي لا أعود لأصبح عبداً لائذاً وخائفاً من الموت والخطيئة والحاقدين.
فاحملني على ذراعيك، لا بل ضعني على منكبيك. لأنني ثقيل الحركة كلّي وجعٌ وألمٌ. احملني كيفما شئت لأنني بك وحدك آتي الى أبيك، وبه أدعى إليك لعلي أعود خروفاً صحيحاً لا ممزَّقاً تتناثر أشلاؤه بين حبك والقرب والإبتعاد عنك.
ففي حزني، وفي فرحي. في سقوطي، وفي قيامي كنت دائماً أصرخ إليك: “ربي وإلهي المجد لك”.
نشرة البشارة
02 آب 2015