كنيسة مضيئة – المطران سابا (اسبر)

mjoa Thursday August 6, 2015 101

كنيسة مضيئة – المطران سابا (اسبر)

قضيت وعدد من الإخوة الأساقفة، برفقة غبطة البطريرك، وبدعوة من أخينا جوزيف، مطران أبرشيتنا الأنطاكية في أميركا الشمالية، أسبوعين في ربوع أبرشيته العامرة.هي، أساساً، دعوة لغبطته من أجل ترؤس مؤتمر الأبرشية العام، الذي ينعقد مرّة كل سنتين. إلى جانب المؤتمر، كانت زيارة إلى معهد الصليب المقدّس اللاهوتي في بوسطن، وأخرى إلى معهد القديس فلاديمير اللاهوتي في نيويورك، حيث مُنح غبطته دكتوراه فخرية اعتبرها تكريماً، عبر شخصه، للكنيسة الأنطاكية وشعبها المتألم والمجاهد، ولكل تائق إلى السلام في أراضيها.

kanisaتضمّ الأبرشية الأنطاكية حوالى ثلاثمائة رعيّة، على أراضي الولايات المتحدة وكندا. وقد عرفت، خلال العقود الماضية، تطوراً ملحوظاً من ناحية العدد، وتقدّماً لافتاً على صعيد الكهنة ونوعيّتهم، وكذلك على صعيد التزام المؤمنين بكنيستهم. ويتابع سيادة المطران الجديد، جوزيف زحلاوي، مع سبعة أساقفة مساعدين، رعايتها ونموّها. تجتمع هيئات الأبرشية جميعها مرّة كل سنتين، من أجل وضع خطة عمل، مصادَق عليها، للسنتين التاليتين.
يلتقي في هذا المؤتمر أعضاء هيئات الأبرشية المختلفة، وتضع كل منها خطتها، بعد أن يكون قد قيّم الخطة السابقة. ومن ثمّ ترفع كلّ هيئة ما توصلت إليه إلى مؤتمر الأبرشية العام، الذي يصادق عليه بعد مناقشته. وهكذا تكون خطة الأبرشية للسنتين التاليتين قد أُنجزت.
يحضر المؤتمر، عادة، أكثر من ألفي مشارك ومشاركة. يتم تحديد مكان المؤتمر وتاريخه قبل أربع سنوات من انعقاده، ويُفتح باب التسجيل أمام أبناء الرعايا كافة، مع كهنتهم بالطبع. الجميع يعلم أنّ المؤتمر القادم في صيف 2017 سيكون في ميامي، فلوريدا، كما يعرف المكان والتاريخ. وقد أقرّ الاجتماع الحالي مكان المؤتمر في العام 2019. تتحمّل الكنيسة الموجودة في المدينة، التي ينعقد المؤتمر فيها، مسؤولية ترتيب وتحضير الأمور اللوجستية كافة. لذا تجد أبناءها في عمل دؤوب طوال السنوات الأربع التي تسبق انعقاد المؤتمر. والجميل في الأمر أنّ الرعايا الكبيرة تتنافس على جذب هيئة المؤتمر، لإقرار انعقاده فيها بعد أربع سنوات. شهدنا عروضاً ثلاثة قدّمتها رعايا ثلاث للمؤتمرين، من أجل انتقاء مكان المؤتمر الذي سيعقد في العام 2019.
تحجز الرعية المضيفة غرفاً تتسع لحوالى ألفي شخص، في الفندق المحدَّد لانعقاد المؤتمر. وتُعلَم المطرانية بكلفة الإقامة لليلة الواحدة، فتعلن بدء التسجيل وكيفيته. تجد بين المشاركين من يأتي بحكم انتمائه لإحدى هيئات الأبرشية، ومن يأتي مشاركاً في بعض الأنشطة المرافقة للمؤتمر، مصطحباً أفراد عائلته، فيقضي وإياهم عدّة أيام، بين إخوة وأخوات يربطه بهم الإيمان الواحد والانتماء لكنيسة واحدة. هذا رأيناه، بخاصّة، على صعيد الكهنة، الذين يصير المؤتمر فرصة لتعارفهم ولتمتين أواصر المحبّة والصداقة بين عائلاتهم. هذا يمتّن وحدة الأبرشية وحسّ الانتماء إليها وروح خدمتها. (يصل تعدادهم في الأبرشية إلى حوالى الخمسمئة ما بين كاهن وشماس إنجيلي).
يبدأ المؤتمر، عادة، يوم الاثنين ويُختتم بالقدّاس الإلهي صباح الأحد. أمّا الجمعية العمومية للأبرشية فتلتئم يومي الخميس والجمعة، وتضمّ راعي الأبرشية، الميتروبوليت، والأساقفة وعددهم، حالياً، سبعة، بالإضافة إلى أعضاء مجلس الأبرشية وممثلي هيئاتها ورعاياها. يتجاوز عدد المشاركين في الجمعية العمومية الأربعمائة شخص.
تكمن أهمية المؤتمر، هذا العام، في حضور غبطة البطريرك، وفي أنّه الأول بعد تولي سيادة الميتروبوليت جوزيف رعاية الأبرشية. أضفى حضور غبطته والوفد المرافق حضوراً أنطاكياً عائلياً وروحياً. أعطى غبطته المشاركين دفعاً روحياً قوياً، بأحاديثه ورصانته وحكمته. حديثه الروحي في الجمعية العمومية لاقى تجاوباً عظيماً في نفوس الحاضرين. كذلك ألقى حديثين آخرين تناول فيهما وضع الكنيسة الأنطاكية والتحديات التي تواجهها وآفاق مستقبلها، شارحاً، ببساطة، خطط العمل الجاري والتطلّع المستقبلي، وملقياً ضوءاً صافياً وشفّافاً على المأساة السورية بخاصّة، والتخبط الذي يعيشه لبنان،فمعاناة أبنائه لم تفارقه وكانت حاضرة في جميع أحاديثه.
لا شك في أنّ سعي راعي الأبرشية إلى إبراز وجه أنطاكية البهي وتجذيره في ربوع أبرشيته واضح وجليّ. ولعل هذا الهمّ عنده كان سبباً رئيساً في الإلحاح على حضور غبطته. فلطالما حكمت عوامل عديدة، بشرية الطابع ودنيوية المنحى، العلاقات ما بين الأبرشيات والرعايا. من هذه الزاوية يفرح كلّ مؤمن بما يقوم به راعي الأبرشية على هذا الصعيد بالذات. ما من شيء يثلج قلوب المؤمنين أكثر من تجسيد الأخوّة الكنسية في ما بين رعاتهم، وخروج أبرشياتهم ورعاياهم من عزلتها. المسيح أوسع من أن يُسجن في أيّ نوع من الحدود التي تضعها أهواء البشر.
علاقة الأبرشية مع الكنيسة الأم مبنيّة على الإيمان الواحد، والعضوية الكنسية القائمة في جسد المسيح الواحد، الذي لا ينقسم ولا يتفتت، وعلى التعبير التجسدي الذي برعت “أنطاكية” في إبرازه عبر التاريخ: حياةً إنجيلية واقعية، ووحدةً كنسية تتعالى على انحرافات بعض من قادتها وأبنائها عبر التاريخ وتقوّمها، ومتابَعةً لخدمة عالمنا الساقط والناهد إلى القيامة. لقد سكبت “أنطاكية” بشارة المسيح لاهوتاً وشعراً وصلاةً وموسيقى وعمارة واحتضاناً للإنسان المتألم والتائق إلى الخلاص. وهذا ما تشاهده في هذه الأبرشية عبر سعيها إلى تجسيد إنجيل يسوع المسيح في حياة مؤمنيها أفراداً وجماعات. كنتَ تجد هذا المسعى في الصلوات اليومية التي احتضنت المؤتمر صباحاً ومساء، وفي كثرة المشاركين فيها، كما وفي العظتين اليوميتين اللتين رافقتاها يومياً، وكذلك في الأنشطة المرافقة التي يُخصّص ريعها لتغذية المشاريع، التي يوليها ميتروبوليتها اهتماماً كبيراً، كونها تجسّد حضور الرب يسوع وفعله، في هذه الأبرشية، تعليماً وبشارةً ونهضة رهبانية، ومعانقةً للإخوة المتألمين هنا وثمّة، خاصّة في أبرشيات الكنيسة الأم.
إنّه اجتماع تنظيمي إداري قائم على الصلاة والكلمة الإلهية الحيّة والمُحيية. ما من إدارة كنسية حقّة، ما لم تكن مُستلهَمَة من روح الصلاة والإنجيل الحيّين في نفوس القيّمين على العمل الكنسي.
شدّد غبطته على الوحدة الأنطاكية، التي تمكّننا من الشهادة الفضلى لإنجيل يسوع المسيح ربّنا. وهو يحمل هذا الهمّ أينما توجّه، وفي كلّ وقت.
وكانت كلمة راعي الأبرشية لافتة، خاصّة، عندما اعتبر أنّ الأساسات التي وضعها السابقون إنّما لكي يتابع اللاحقون البناء عليها. هذا يبدو هاجسه، في خدمته التي لم تتجاوز سنتها الأولى إلا أشهراً عديدة فقط. إلى ذلك يُفرح اندفاع المؤمنين إلى خدمة كنيستهم ووعيهم لمسؤولياتهم عنها. هذا يعبّرون عنه سخاءً في تأمين حاجتها المادية. ولأنّهم يدركون أنّها موئل خلاصهم، تراهم يساهمون في تقويتها حتّى تؤمّن خدمتهم الروحية.
ندعو الله أن يمنح راعيها والأساقفة والكهنة وشعبها، الحسن العبادة، نعمته الإلهية، وأن يحفظها أبرشيةً يُمجَّد فيها اسمه القدّوس في كلّ حين. آمين.
3 آب 2015

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share