مصدر الحياة – المطران جورج (خضر)
عندنا في إنجيل اليوم إنسان مديون لرجل غني، عليه ان يدفع له عشرة آلاف وزنة. الرجل الغني، الدائن، يمثّل الله وعلاقتنا بالربّ علاقة دَين لأنه هو المعطي واليه المُنته ولعلّ لفظة الدَين مشتقة من الدين، فيكون الدَين بهذه الحال صُدورا من الله ورجوعًا اليه.
ويقارن الإنجيلي متى الدَين العظيم الذي تسامح الله به ولم يُلحّ عليه، يقارنه بدَين صغير لرجل عليه فقط مئة دينار. وجاء الدائن وحاول أن يخنقه. يدعونا الإنجيل الى أن نتخلّق بأخلاق الله وألا نحاسب الناس.
استهلّ الإنجيلي المَثَل بقوله: “يُشبهُ ملكوتُ الله انسانا”. ملكوت الله هو هذا الوضع الروحيّ الذي نحن فيه والذي ليس فيه محاسبة بيننا وبين البشر، ولكننا نعتبر انهم جميعا أبناء الله وان العلاقة في ما بينهم هي علاقة غفران وسماحة وعطاء بحيث لا نعامل الناس كما يعاملوننا. ولو عاملونا بالسوء، نعاملهم بالأخلاق الإلهية التي اقتبسناها من الاقتداء بالمسيح.
ما يسوؤُني ويجرحني في الأوساط المسيحية أن الناس يتحدثون عن المحبة على انها ميزة للدين المسيحي، ولكنهم لا يريدونها لأنفسهم. يُجمّلون الدين المسيحي بما أتى به، ولا يجمّلون نفوسهم بهذه المحبة. ألم تسمعوا الناس يقولون المحبة جميلة ولكنها غير ممكنة، ونحن من لحم ودم فكيف نحبّ أعداءنا؟ وكيف نغفر لهم؟ وكأن المسيحيين يندمون على انهم لم يظلّوا يهودًا. اذا حلّلتم الكلام تحليلا صحيحا الآن فكأنهم يندمون على “العين بالعين والسنّ بالسنّ”، يندمون على فوات هذا الناموس وكأنه الناموس الذي يجب ان يُطبّق في الدنيا. واما الناموس المسيحي فيتغنّون به تغنيا، هذا اذا لم يرفضوه، وفي كل حال يرفضون تطبيقه في حياتهم.
المسيحي لا يؤمن بالمحبة ناموسًا يُعاش. اذا كان المسيح إلها كما نؤمن، فكلامه حق وكلامه يُنَفّذ، وإلا فكان من الأولى به ألا يأتي وألا يتكلّم. يقول الناس: هكذا يصنع الغير. هذا شأن الغير. ماذا أصنع أنا؟ أنا أصنع ما في ناموسي، لأن ناموسي إلهي ولأني أريد أن أكون إلهيا. وإن لم أكن كذلك، فديانتي للتغنّي فقط وهي ديانة مغلوطة. ولكن اذا كانت لتُعاش، فعيشوها.
ولكن كيف تُعاش؟ كيف تعاش ونحن لا نصلّي؟ كيف تُعاش ونحن لا نناجي المسيح؟ كيف تُعاش وهي مجرّد مراسم ومواسم وليست حياة دائمة تعيش في القلوب؟ سأقول لكم كيف تعاش: لا تخافوا ممن يقتل الجسد بل خافوا ممن يستطيع ان يثير البغض في قلوبكم. فإذا دخل الحقد الى نفسك فأنت في الجحيم منذ الآن.
لا ينبغي ان نكون فلاسفة لنعرف ان كل أنظمة الدنيا محاولات، أن العائلة محاولة، محاولة حب، وأن الدولة محاولة تنظيم، كل شيء في الدنيا محاولة. طبعا لا بد من المحاولة، لا بد من تبديد الشر على قدر الإمكان بضبطه…
يبقى الله وحده، مصدر الحياة التي لا تغرب، لأن من كان مع الله ليس في محاولة، هو واصل، والواصلون يحبّون، واذا أحبوا فالعالم كله في خلاص.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
نشرة رعيتي
16 آب 2015