الإيمان في مواجهة التحديات – المطران باسيليوس (منصور)
الإنسان بدون تحدٍّ وطموح وهدف ومسيرة أي بدون تطور، هو عبارة عن روتين قاتل.
أولاً لأن الإنسان كشخص يتطوَّر جسدياً منذ بداية الحبل به حتى يوم وفاته. وفي إيماننا الأرثوذكسي، الإنسان يتطوَّر من نور الى نور، ومن مجد الى مجد حتى في ملكوت السموات، ولهذا يوجد فرق في المراتب بين القديسين.
والتطوّر الروحي يعني تطوّر كياني ونمو للأحاسيس الروحية والمعرفية.
الإنسان يتطوَّر معرفياً. وهذا ما قيل عن ربنا يسوع المسيح بالجسد “أنَّه كان ينمو بالنعمة والقامة أمام الله والناس”.
أيّ إنسان يدرك ويستوعب كونه إلهاً كاملاً متجسداً “ولهذا أتيت”، وكان يزداد بهذه المعرفة.
ويتطوّر الإنسان المسيحي، وغير المسيحي بحسب التحديات التي تواجهه فإما أن يزداد باضطراد، أو ينكمش على ذاته فيصبح خائفاً قابعاً فيما ارتضاه لنفسه. وهذا ما يجلبه التحدي والتطوّر بحسب العالم، فالبشر، بدون الله، كائنات بلا رحمة، وخير دليل على ذلك ما يجري في بلادنا من قتل وظلم وسرقة وخطف وقلة ضمير بكل الإتجاهات.
ولكن التحدي بحضور الله، ولو كان بحسب هذا العالم يأتي بالصالحات إجتماعياً وبالخير. ولكن الإنسان المسيحي مدعوٌ أن يكون بحسب قلب الله. وكم هو الفرق عظيم بين فكر الله وبين فكرنا، وطرق الله، وبين طرقنا كما ورد على لسان داود النبي بوحي الروح القدس.
“كما تبعد السماء عن الأرض، والشرق عن الغرب، تبعد طرقي عن طرقكم، وأفكاري عن أفكاركم، يقول الرب الإله”.
ولكن هذه المقارنة إنما هي بين فكر الله، وبين الشعب اليهودي الذي إبتعد عن شريعة الله وغرق في الماديات، وأخذ يقلِّد الشعوب المحيطة به في نواحٍ كثيرة كالعيش والعبادة والتعامل وفي الحياة العاطفية والقوانين والتجارة والاستغلال والفساد.
وبالرغم من كل ما تعلَّمه على يد موسى ومن بعده، وبواسطة الأنبياء، ومن تتلمذَ على أيديهم. إلا أنهم أصرّوا على مشاركة المجتمعات فيما هي عليه.
ولكن تسليم المهمَّة، والإختيار لحمل المسؤولية إستمرَّت في البقية الباقية، وهي السبعة آلاف التي لم تحني ركبة لبعل بل بقيت مكرسة لله بكل ما يمكن، بقيت متحديّة العالم والسلطة الرومانية، والفساد اليهودي. واستمرت هذه البقية الباقية كالخميرة في العجين، تارة تخمّره، وتارة يعيق الطحين الفاسد عملها حتى جاء ربنا يسوع المسيح، وقال لنا في عظته على الجبل: أنه لا يقبل منا أقل من شريعة الروح كأبناء لله. ونحن في العهد الجديد والعهد القديم مدعوون أن نكون آلهة وبنو العلي. أمَّة مقدسة، كهنوت ملوكي.
إن التحدي عظيم بين هذا العالم الذي ارتضى فيه السيادة للشرّ، وبين من هم مطلوب منهم أن يحققوا في حياتهم وأشخاصهم صورة الله ومثاله. وعلى الإنسان أن يتحدى العالم وأهل العالم، لأنَّه مدعوّ لما هو أسمى وأرفع. وهذا الأمر له حالاته ومبادؤه ومسيرته وأدواته وغاياته ونجاحاته ونكساته. ولكن المتكل على الله لا يخيب أبداً.
نشرة البشارة
16 آب 2015