العطاء الحق – المطران جورج (خضر)

mjoa Friday August 21, 2015 63

العطاء الحق – المطران جورج (خضر)

لا شك ان هذا الإنجيل صعب جدا. السيد يقول عن الأغنياء ان دخولهم إلى ملكوت السموات عسير، بل انه صعّبَه إلى حد انه يقول: “ان دخول الجمل ثقب الإبرة لأسهل من دخول غني ملكوت الله”.

aghnyaa وبالطبع حاول المفسرون المتساهلون ان يهينوا الأمور على الناس وان يقولوا ان ثقب الإبرة ليس بالفعل ثقبا صغيرا ولكن كان بابا في أورشليم، وبالتالي ان الجمل كان يستطيع ان ينحني وان يدخل الباب المدعو “ثقب الإبرة”، إلى ما هنالك من تأويلات عاطفية أرادها الأغنياء ليسهلوا الأمور عليهم وعلى سواهم.

ولكن هذا لم يكن المقصود من النص الإلهي لأن كل سياق البحث وكل الحديث الذي جرى كان يعني ان دخول الغني الى الملكوت لأمر صعب للغاية وانه لا يُستطاع عند الناس. ومع ذلك استثنى السيد بقوله “ان ما كان غير مستطاع لدى الناس مستطاع لدى الله”. فكيف تكون أعجوبة الله وكيف يدخل غني ملكوت السموات؟ لم يقل الكتاب انه يدخل ويبقى غنيّا. ولكن ذاك الذي كان غنيّا يستطيع الله ان يدخله باب الملكوت. وماذا يبقى من غنى الغني؟ أيبقى هذا الغنى واسعًا، كبيرًا، ضخمًا ولا يتغيّر شيء في سلوك هذا الانسان، ومع ذلك يقحمه الله في ثقب الإبرة؟ هذا طبعا لم يقله الكتاب ولذا يجب ان نفتش عن طريقة اخرى.

لا يبدو ان الكتاب، والله المتكلم فيه، لا يبدو ان الكتاب أعطى وسادات حريرية للأغنياء ينامون عليها. لم يكن المسيح حريريا. كان لطيفا ولكنه كان حازما وشديدًا بآن معا وكانت تعابيره دقيقة للغاية.

ماذا كان في حديث الشاب والمعلّم؟ شاب كامل في الظاهر، تمم الوصايا جميعها دون ان يفتخر بذلك. لم يفتخر بشيء، قال فقط: “أنا نفّذت هذه الوصايا منذ صباي. ماذا ينقصني بعد”؟ جاء ليتعلّم، جاء ليعمل أحسن من الوصايا. قال له يسوع: “إن أردت ان تكون كاملا، فبع كل ما لك واعطه للمساكين وتعال اتبعني”.

هنا أيضًـا جاء المفسرون وقالوا: لماذا تريد ان تكون كاملا، ليس من الضروري ان يكون كل انسان كاملا، فنحن يكفينا أن نتمم الوصايا، والكمال انما هو للرهبان وليس لنا. يسوع لم يتكلم عن الأديرة. قال للشاب الغني الذي أمامه: “تستطيع ان تكون كاملا”. لم يقل له: اترك وضعك واذهب إلى وضع آخر، لتعيش في مكان آخر. قال له: أنت تعيش في هذه الدنيا وهنا يمكن ان تكون كاملا. لم يوصِ يسوع بالكمال بل أمر به، وهو الذي قال: “كونوا كاملين كما ان أباكم السماوي كامل” (متى ٥: ٤٨).

ان أردتَ ان تكون كاملا اتبعني. ان أردت ان تنتقل من العهد القديم إلى العهد الجديد الذي هو عهد كمال، بذّر أموالك. أليس مكتوبا عند النبي داود: “بدد أعطى المساكين فيكون برّه مؤبدا” (مزمور ١١١: ٩). العهد القديم نفسه يشير إلى تبديد الأموال، إلى عطاء كامل.

أنت وكيل على كل ما أُعطيت. المال الذي بين يديك وديعة وليس ملكية مطلقة قدسية. أنت وكيل وعليك ان تشعر بالجوع الذي يشعر به المحرومون. القضية كلها قضية محبة. العطاء الحق هو بالدرجة الأولى ألم الانسلاخ عن الذات والالتصاق بالمسيح الذي في كل انسان محروم فقير.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

نشرة رعيتي

23 آب 2015

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share