حقوق المسيح وحقوق المسيحيّين – الأب جورج مسّوح
ما فتئ المسيحيّون وزعماؤهم يطالبون بحقوقهم المهدورة. وبما أنّهم يطالبون بما يسمّونه “حقوق المسيحيّين”، فمن الواجب أن تكون حقوقهم، كمسيحيّين، هي ذاتها حقوق مَن ينتمون إليه، أي المسيح. ولكن شتّان بين الأمرين. فلو كانت حقوقهم مطابقة لحقوقه، لكانوا طالبوا بدولة عادلة لا تميّز بين المواطنين على أساس طائفيّ. فالمسيح عمل، بل أوّل ما عمل، على احتقار الانتماء القوميّ-الدينيّ الضيّق لأبناء قومه اليهود، فحاول إخراجهم من انعزالهم واستكبارهم على الشعوب الأخرى، فقتلوه ولم يرعووا. أليست مطالبة المسيحيّين بحقوق الطائفة نوعًا من أنواع العودة إلى تلك اليهوديّة العنصريّة والتمييزيّة؟ أليست هذه المطالبة نوعًا من أنواع الانتقام، بعد ألفَي عام، من المسيح ومن ثورته عليهم؟
لو كانت حقوق المسيحيّين هي ذاتها حقوق المسيح، لكانوا طالبوا بدولة عادلة تتوافر فيها قواعد التكافل الاجتماعيّ من تأمين الخبز والكهرباء والماء والمازوت وحاجيّات الدنيا لكلّ محتاج وفقير، ولكن أيضًا التعليم المجّانيّ والضمان الصحّيّ للجميع وضمان الشيخوخة، والمساواة بين اللبنانيّين كافّة، حيث تنعدم هذه المساواة بين أبناء الطوائف، وبين الذكر والأنثى، وهب الجنسيّة مثالاً، ولكن أيضًا بين اللبنانيّ وغير اللبنانيّ، لا سيّما اللاجئون الذين وجدوا في لبنان واحة أمان تقيهم الحروب والاحتلالات التي تدمّر الحجر وتقتل البشر في بلادهم. وقد أضيف، أخيرًا، الحقّ بالعيش في بيئة نظيفة خالية من النفايات…
لو كانت حقوق المسيحيّين هي ذاتها حقوق المسيح، لكانت هي ذاتها حقوق المسلمين واليهود والصابئة والإيزيديّين… واللامنتمين دينيًّا والملحدين وكلّ مواطن من المواطنين. أليست حقوقه هي، كما قال في بشارته، حقوق الفقراء والمساكين والودعاء والحزانى والجياع والعطاش إلى البرّ والرحماء وأطهار القلوب والساعين إلى السلام والمضطهَدين؟ أليس كلّ هؤلاء نجدهم بين أبناء البشر كافّة على اختلاف انتماءاتهم؟
همّ المسيحيّين وقادتهم السياسيّين وغير السياسيّين بات في مكان آخر. بات همّهم في توفير الفرص لتحسين حقوق المسيحيّين في السلطة التي احتقرها المسيح أيّما احتقار. ألم يسخر المسيح “الملك الداخل إلى أورشليم” من الملوك حين ركب على جحش فيما سمة الملوك امتطاء الخيول؟ ألم يعلن لتلاميذه: “ملوك الأمم يسودونهم، أمّا أنتم فلستم كذلك ولكن ليكن الأكبر فيكم كالأصغر والذي يتقدّم كالذي يخدم”؟
“حقوق المسيحيّين” أمست لا تمتّ إلى المسيح بأيّ صلة. رجاء المسيحيّين بات في مكان آخر. ما عاد المسيح ملكهم. ألم يصرخ الذين أيّدوا صلب المسيح أمام بيلاطس ألذي أشفق عليه: “ليس علينا ملك غير قيصر”؟ نعم، فضّلت الجموع قيصر روما عليه. فضّلوا الطاغية في سبيل التخلّص منه. فالمسيح، لديهم، يشكّل على البشر خطرًا أكبر من الطاغية، لأنّه يدعو إلى التخلّي عن الاستعباد للدنيويّات وبهارجها، يدعو إلى قبول الصليب والمحبّة والبذل والتضحية وبغض المال والسلطة. ما بين المسيح وقيصر أختاروا قيصر.
إذا شاء المسيحيّون أن يطالبوا بحقوقهم، فإمّا عليهم أن يطالبوا بحقوق المسيح ربّهم وسيّدهم، الحقوق المذكورة في الإنجيل، وهكذا يكونون أمناء على انتمائهم إلى هذا الإله الفادي، وإمّا إن شاؤوا أن يبقوا على مطالبهم السياسيّة بحيث ينالون مواقع القيادة والوظائف الهامّة في الدولة، فسنسألهم: هل يرضى المسيح بأن يطالبوا، باسمه، بما يطالبون به متغاضين عمّا دعا هو إليه؟ كلاّ، شتّان ما بين حقوق المسيح وحقوق المسيحيّين
ليبانون فايلز
26 آب 2015