البناء الروحي الواحد – المطران جورج (خضر)
يروي لنا السيّد في إنجيل اليوم مثل ربّ الكرم الذي سلّم كرمه إلى عملة وسافر. ولما حان الأوان أرسل مَن يأخذ الثمر، فقتل العملةُ المبعوثين وأخيرا قتلوا ابن صاحب الكرم. عند ذاك قال المخلّص مستشهدا بالمزامير (مزمور ١١٧: ٢٢) “الحجر الذي رذَله البنّاؤون صار رأسًا للزاوية”.
لما قال داود النبي هذا القول قديما عنى به الله نفسه، فأخذ يسوع هذا القول المتعلّق بالله وطبّقه على نفسه، وجعل نفسه حجر الزاوية الذي رفضه اليهود وعلّقوه على الخشبة.
في بلادنا أبنية قديمة على طريقة “العقد” ترصف فيها الحجارة الواحد بقرب الآخر دون لحمة بينها حتى تصل إلى السقف حيث تبقى فجوة لا بدّ أن يملأها حجر أساسي يُسمّى حجر الزاوية أو “القفل” أو “الغلق”. فإذا التصق التصاقا حقيقيا بالحجارة التي بقربه تماسك البناء.
أخذ يسوع هذه الصورة وقال عن نفسه انه حجر الزاوية، ونحن سمّانا الرسول بطرس “حجارة حية، بيتًا روحيًّا” (١بطرس ٢: ٥). نحن المؤمنين بالمسيح دُعينا أيضًـا “هيكل الله” (١كورنثوس ٣: ١٦). ومعنى ذلك اننا ننزل من المسيح ونتماسك به وكل منا يتمسك بأخيه إذا تمسّك بالمسيح. أي إذا كان كل منا مستندًا إلى المسيح يكون في الوقت ذاته متعلّقا بأخيه وخادمًا لأخيه.
نحن أعضاء الكنيسة ليس بيننا مناصرة عصبيّة. لا يجمعنا تحزّب ولا عائلة من لحم ودم. نحن ننتمي إلى أجناس وألوان مختلفة، ولكل منا تربيته وصداقاته ومزاجه، ولكل منا منافعه على الأرض. ولكننا نتجاوزها كلها حتى نصبح عائلة الله الواحدة، حسبما قال الرسول بولس: “رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة، إله وآب واحد للكل الذي على الكل وفي كلّكم” (أفسس ٤: ٥-٦). ولهذا لا ننظر في كنيستنا إلى ما يفرّق بين الفرد والفرد، ولكننا ننظر إلى ما يجمع بين الإنسان والإنسان. قد اشتُرينا بثمن، ثمن دم ابن الله الذي يجري في عروقنا. فإن فرّقتنا دماء انتساباتنا إلى عائلات أو مدن أو قرى متفرقة، فإنما يجمعنا دم المسيح الذي نشربه من الكأس المقدسة.
ولعلّكم انتبهتم إلى ما قاله الرسول في رسالة اليوم: “ان كان أحد لا يحب ربنا يسوع المسيح فليكن مفروزا” (١كورنثوس ١٦: ٢٢)، أي فليكن مقطوعا من عضوية الكنيسة. لم يقل بولس ان مَن انتسب في الهوية إلى المسيحية كان مسيحيا. لا يقول ان مَن اكتفى بمعموديته يكون مسيحيا. ولكن في نظر الله المسيحي هو مَن أحبّ يسوع المسيح بإخلاص فائق وطبّق تعاليمه، وسار وفقًا لوصاياه حتى النهاية.
أبناء الكنيسة مدعوون بالدرجة الأولى أن يعيشوا مع المسيح في كنيستهم، وان يعبدوا ربهم وقد لا يُترك لهم شيء آخر من الحياة. ينبغي ان نقوى روحيا وإيمانيا وأخلاقيا كي نثبت على الإيمان المستقيم. “ان عشنا أو ان متنا فللرب نحن” (رومية ١٤: ٨)، ونحن متماسكون مع المؤمنين به تماسك الحجارة في البناء الروحي الواحد.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
نشرة رعيتي
30 آب 2015