مـــريـم العــــــــــــــذراء – المطران افرام (كيرياكوس)
عذراءٌ وأُمٌّ معًا، طاهِرَة نقيَّة. الأمومة عطاء روحيّ، هذه هي صفات الأمّ الرُّوحيّة. الطَّهارَة مُرْتَبِطَة بالأمومة، العطاء يَلِدُ الآخَرِين. الميلاد الرُّوحيّ مَقْرُون بالمحبّة. المسألة تتطلَّب تربية صالِحَة، تنقية روحيّة. “الَّذين ليس من لحم ودم ولكن من الله وُلِدُوا” (يوحنَّا 1: 13). عمليًّا هذه التّربية تفترِض انتباهًا مستمرًّا، خدمةً متواصِلَة. الحبُّ البشريُّ (الغرام) له حدود. المحبّة الحقيقيَّة عطاء دائِم، خَمْرَةٌ مُعَتَّقَة. الحبُّ إذا انْغَلَقَ على نفسه يُضْحِي شهوة عابِرَة تنتهي بموتٍ روحيٍّ، كآبةٍ جسديَّة. المهمُّ أن يذهب الجسدُ إلى القلب: “يترُكُ الإنسان أَبَاهُ وأُمَّهُ ويلزم امرأَتَه فيصيران كلاهما جسدًا واحدًا، وما جَمَعَهُ المسيح لا يُفرِّقُهُ إنسان” (تكوين 2: 24 وأفسس 5: 31).
مريم إذًا هي أمٌّ روحيَّة، فتاة خصبة، مِثَال لكلِّ إنسان نفسه طاهِرَة أَكانَ عازِبًا أَمْ متزوِّجًا. الإنسان الطَّاهِر هو الحاصِل على قلب نقيّ لا يتقبَّل في ذاته إلَّا الزَّرْعَ الإلهيّ. يسمعُ كلمةَ الله، يحفَظُهَا في قلبه ويعمل بها. بهذا المعنى يحيا، يتصرَّفُ في كلّ جوانب حياته وحتَّى في مهنته بروح الله لا بروح العالم. يقول القدّيس يوحنَّا الإنجيليّ والرَّسول: “لا تُحِبُّوا العالم ولا الأشياء الَّتي في العالم… لأنَّ كلّ ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العين وتَعَظُّم المعيشة… الـعالم يمضـي وشهوته وأمَّا الَّذي يصنع مشـيئة الله فيثبُتُ إلى الأبد” (1 يوحنَّا 2: 15-16-17).
هذا لا يتنافى، بالنِّسبة للإنسان الرُّوحيّ، مع ما ورد في إنجيل يوحنَّا “هكذا أَحَبَّ اللهُ العالم حتَّى بَذَلَ ابنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة” (يوحنَّا 3: 16).
هذا هو الإنسان الَّذي يحبُّ مريم العذراء ويتشبَّه بها، هو الإنسان المسيحيّ بكلّ معنى الكلمة، عروس المسيح، عروس الله.
الإنسان الرُّوحيُّ، الأب الرُّوحيُّ الأمّ الرُّوحيَّة، لا يعني بالضَّرورة إنسانًا يقضي أوقاته كلّها في الصَّلاة لكن، وهو في عمله، يبقى قلبه مشغوفًا بالله. “اطلُبُوا أوَّلًا ملكوتَ الله وبرَّه وهذه كلُّها تُزاد لكم” (أي المادِّيَّات) (متَّى 6: 33).
* * *
إنْ تَصَرَّفْنَا، أيُّها الأحِبَّاء، على هذا المنوال نتذوَّق الملكوت مُسْبَقًا ونحن على الأرض. نحيا بصمتٍ مع المسيح على غرار مريم العذراء، وعند موتنا ننتَقِل مثلها من الموت إلى الحياة من الأرض إلى السّماء.
نشرة الكرمة
30 آب 2015