الأعمال العربية الكاملة للقديس رفائيل هواويني (1860-1915)

mjoa Tuesday September 8, 2015 691

a3mal-arabiaالأعمال العربية الكاملة للقديس رفائيل هواويني (1860-1915):

المجموعة الخالدة المنشورة كاملاً لأول مرة في العربية لقديس دمشقي أنطاكي، كان رسول أنطاكية إلى الخراف المشتَّتة في أميركا: مبشّراً، ومعلّماً، ومنشئاً الكنائس، ومخلّص النفوس.

تضم هذه المجموعة مقالاته المنشورة في مجلة “الكلمة” (1905-1915) مع أطروحة تخرجه (المترجمة والمنشورة لأول مرة في العريية).

هذه المجموعة مكتبة متكاملة: كتابية، روحية، ليتورجية، كنسية، تاريخية، وعقائدية. هي منارة لدراسة الكتاب المقدس، ومنهلاً لمواعظ الكهنة، ومدرسة لمدارس الأحد، ومرجعاً لمؤرخي الكنيسة.

 لقديس رفائيل هواويني (1860-1915ا
أسقف بروكلين
الأعمال العربية الكاملة
جمع وتحرير د. عدنان طرابلسي
هذا هو اليوبيل المئوي لقديس سوري دمشقي، عاش طفولته في دمشق وشبابه في روسيا وشيخوخته في الولايات المتحدة. قديس مشرقي ورسول إلى الخراف المشتَّتة في أميركا. قديس مشرقي كان أول أسقف أرثوذكسي يُرسم على الأرض الأميركية ليكون بولس ثان في رحلاته التبشيرية وتأسيس الكنائس، وذهبي فم القرن العشرين في مواعظه ومقالاته وخطاباته. قديس مشرقي حمل هموم المشرق والمغرب معاً في قلبه الكبير، فكان خير كاهن وأسقف وراعٍ لخرافٍ هاجرت إلى العالم الجديد وقد خنقتها هموم العالم ومغرياته. قديس دمشقي اسمه رفائيل هواويني.
هذه هي المجموعة الكاملة لأعماله العربية التي تُطبع للمرة الأولى في ثلاثة أجزاء والتي نشرها هو سواء في مجلة “الكلمة”، أو التي ألقاها خطباً في مناسبات متنوعة، أو التي كتبها ضد الاسئثار اليوناني الظالم بأبرشيات عربية في أنطاكية وأورشليم والإسكندرية. الكثير من أعمال هذه المجموعة يُنشر للمرة الأولى في العربية.
هذه المجموعة هي مكتبة كنسية صغيرة كبيرة، عميقة ثرية، تأخذك في معارج الفضيلة والتقوى والثقافة المسيحية، والتي تصلح أن تكون لمدارس الأحد منارة غنية، ولحلقات دراسة الكتاب المقدس منهلاً عميقاً، ولمواعظ الأحد مرجعاً مهمّاً، وللمؤمنين المسيحيين رافداً حياً.
يجيب القديس رفائيل على أسئلة كثيرة طالمت حيّرت المؤمنين في مواضع شتى. إليك بعض الأمثلة:
ففي الخلق يشرح خلق العالم ومن ثم الإنسان، ويوضح الفرق بين الصورة والمثال في الإنسان، ومسؤولية كل من الحية وحواء وآدم في السقوط، وفيما إذا كانت أيام الخلق حقيقية أو رمزية، ومكان وجود الفردوس، وكيف كان طوفان نوح طوفاناً كونياً والأدلة العلمية عليه.
أيضاً، يتطرق القديس إلى فرضية داروين في التطور، ويشرح فيما إذا كانت حقيقية وصحيحة، ورأي العلم فيها، مستشهداً بآراء العديد من العلماء المعاصرين لداروين ومن الذين أتوا بعده.
ولا ينسى هذا القديس أن يوعب جوانب من العهد القديم دراسة وشرحاً. فيذكر حياة شخصيات مهمة في العهد القديم وكأنه يعيش معها، فيشرح معاني حوادثها، ذاكراً إبراهيم واسحق ويعقوب ويوسف وأخوته. ولا ينسى أن يوضح العلاقة بين تجربة إبراهيم وحياة الرب يسوع، ويذكر هوية ساحرة عين دور وفيما إذا استطاعت حقاً استحضار الأرواح.
ومن ثم يتطرق هذا القديس إلى صفحات العهد الجديد ليشرح معاني الصوم والصلاة والتصدق وأهميتها في حياة المسيحي. ويذكر ماذا كتب الرب يسوع على الأرض، ويجيب على التساؤل الشهير لدى المسيحيين فيما إذا كان يوجد فرق بين بولس ويعقوب في العلاقة بين الإيمان والأعمال. ويشرح علاقة العشاء السري بالفصح الناموسي، ويعلّق على حوادث الإنجيل المتنوعة، فيجعلك تعيشها وتستوعبها في القلب قبل العقل.
ويشرح القديس رفائيل بعض الأمور المتنوعة في الكتاب المقدس، فيذكر المراد الحقيقي من مثَل وكيل الظلم، وكيف يكون الكتاب المقدس مصدر عبارات دستور الإيمان، ومفهوم التعصب الديني، وصفات الكنيسة الحقيقية وواجبات الراعي الصالح، وتعليم الكنيسة في مسألة سبق التحديد الإلهي، ودور الله في المصائب والنوائب، وتعليم الكنيسة الأرثوذكسية في المطهر، ولماذا لا تسمح الكنيسة للمرأة أن تكون كاهنة، وأسباب الفرق فـي تعيين عيد الفصح بين الشرقيين والغربيين، وتعليم الكنيسة الأرثوذكسية بشأن الصلاة لأجل الراقدين، والمجامع السبعة المسكونية والمجامع الأخرى المكانية، والبراهين الجلية على أبدية العذابات الجهنمية.
أيضاً من أجمل ما كتب رفائيل هنا هو تفنيده لمزاعم الاشتراكيين ولتعاليمهم المرائية عقيب انتهاء الثورة الفرنسية وانتشار الأفكار الاشتراكية الملحدة التي حاولت استبدال تعاليم المسيحية (في الإخاء والمساواة والحرية) بتعاليم كاذبة تحتوي العناوين نفسها بمضمون كاذب. كان رفائيل واعياً لدرجة تأثر الجالية الأرثوذكسية بهذه التعاليم أسوة بالعالم بأسره، فبيّن كيف أن استعمال الكلمات نفسها لا يعني المضمون ذاته. فالاشتراكيون الملحدون حاولوا استبدال يسوع الناصري وتلاميذه ورسله بقادة الثورات وقتلة الأبرياء، وحاولوا استبدال تعاليم الإنجيل في المحبة والأخوّة والمساواة بتعاليم الكفر والإلحاد والبغض والمراءاة، فكان رفائيل لهم بالمرصاد.
وُلد رفائيل ليكون إنساناً ليتورجياً تقليدياً من الطراز الأول. نراه كاهناً ثم أسقفاً ناجحاً. كانت حياته اليومية ليتورجية حية يعيش خدمها في كل ساعة. فما شرحه من ترتيب الصلوات الأرثوذكسية ومن تفسيرها أكبر دليل على إيمانه بأن الحياة الليتورجية الأرثوذكسية هي الطريق المثلى إلى القداسة. يقول: “هذه النظامات الكنائسية هي الواسطة الوحيدة لانحدار النعم الإلهية والدليل الأمين للسيرة المسيحية والعلامة الظاهرة على حقيقة كنيسة المسيح القويمة الرأي الأرثوذكسية، وعلى حسن عبادتها وتمام استعدادها لقضاء جميع حاجات أبنائها الروحية والأدبية الضرورية للخلاص”. لهذا السبب لم يشأ من رعاياه أن يترددوا على خدم الصلوات فحسب، بل أن يشاركوا بها بكل عقولهم وقلوبهم ليسيروا بها في معارج الفضيلة والقداسة والانعجان بالروح القدس له المجد. أرادهم أن يؤمنوا بما يصلّون، وأن يصلّوا بما يؤمنون به، وهذا لن يتحقق ما لم يشرح لهم ما خفي عنهم من صلوات ليتورجية، ومن سبب ترتيبها ومعناه، وطريقة عيشها.
كان رفائيل أميناً للتقليد الليتورجي الكنسي، فمارسه بكل أمانة منذ نعومة أظافره، وشجّع رعاياه على ممارسته بكل أمانة وإخلاص، ودافع ضد أي تغييرٍ فيه أمام المعصرنين والمتفلسفين، وردّ بصورة غير مباشرة على الانتقادات الشهيرة التي يوجهها غير الأرثوذكس عادة من طول الخدم الأرثوذكسية ومن ترتيب طقوسها ورموزها، معتبراً أن مصدر هذا التقليد الليتورجي هو “مصدر التعاليم الدينية المسيحية نفسه أعني به الوحي الإلهي، إذ أن الذي وضعها وحدَّدها ورتّبها هو كنيسة المسيح الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية فـي عهد مجامعها المسكونية. ولما كانت هذه الكنيسة الواحدة المقدسة الرسولية هي ‘كنيسة الله الحي، عمود الحق وقاعدته’ (1 تي 3: 15)، كان كل ما تضعه وتحدّده وترتبه هذه الكنيسة هو إلهي لا بشري، وبالتالي لا يجوز لأية سلطة عالمية أو قوة بشرية أن تجري فيه أقل تعديل أو تبديل البتة”.
أيضاً اهتم القديس رفائيل بإصدار ترجمة عربية متكاملة لكتاب الصلوات الأرثوذكسي الطقسي تحت عنوان “التعزية الإلهية في الصلوات الأرثوذكسية”. معرفته الشاملة للتيبيكون اليوناني والروسي (ولهاتين اللغتين) أثرى شروحه لليتورجيا الكنيسة الأرثوذكسية، فاستطاع المقارنة والنقد وتبيان الفروق بينهما، فأثمر عمله ترجمة عربية متكاملة وللمرة الأولى لكتاب “الأفخولوجي الكبير” الذي يُشار له بالبنان، شاهداً حياً أبدياً على إيمانه العامل بالمحبة. أمضى أربعة أعوام في العمل عليه، مستفيداً من إلمامه بالتيبيكون اليوناني والروسي فجاءت ترجمته متكاملة وغنية وما زالت قيد الاستعمال حتى يومنا الحالي.
لم يغفل القديس رفائيل عن الانتقادات التي كانت تواجه المؤمنين الأرثوذكس تجاه القديسين وأيقوناتهم وذخائرهم، فأبان بصورة جلية بسيطة الأدلة الكتابية والتاريخية على وجوب إكرام القديسين والسجود لهم وطلب شفاعتهم وتكريم أيقوناتهم وذخائرهم.
ذكر القديس رفائيل أيضاً التعاليم الماسونية التي هي على نقيض مع التعاليم المسيحية، وأورد عدة مخطوطات نادرة تشهد على مؤامرات اليهود ضد الكنيسة.
أيضاً تذكر هذه المجموعة العلاقات بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية والأنكليكانية، وتورد تاريخ تطور هذه العلاقات في أيامه.
ومن جملة ما نشر هذا القديس هنا كتيبه المشهور “لمحة تاريخية في أخوية القبر المقدس اليونانية”، ففضح الممارسات الجائرة لهذه العصبة تجاه الوطنيين الأرثوذكس في فلسطين. ومن جملة ما ذكر فيها ما بيع ووُهب من أملاك القبر المقدس من سنة 1897 حتى سنة 1914.
تنشر هذه المجموعة أيضاً ولأول مرة في العربية أطروحة تخرج القديس رفائيل من مدرسة خالكي اللاهوتية، والتي كتبها باليونانية حول التقليد المقدس فأجاد وأبدع. أيضاً تنشر مقالات حول تأبين هذا القديس من قبل معاصريه، وعن تاريخ دير البلمند ونشأة الروم الكاثوليك في سوريا الطبيعية.
في النهاية، تأتي هذه المجموعة إرثاً متكاملاً تاريخياً ولاهوتياً وكنسياً وليتورجياً وثقافياً وروحياً بكل معنى الكلمة، بحيث تلبي الكثير من التطلعات الإيمانية للشعوب المسيحية على اختلاف أنواعها.
ما أصعب أن نكتب سيرة قديس، وما أصعب أن يعبّر اليراع عن تفاعلات النعمة الإلهية المجيدة فيه. فكيف نصف صلواته وآلامه، تنهداته وحسراته، جهاداته وتضرعاته، توبته ونخس قلبه وتوسلاته؟ الكلام عاجز وإن كان فصيحاً، واللسان عيٌ وإن كان متفوّهاً، فالصمت أولى أمام أيقونة حية للروح القدس، أيقونة بشرية تألّقت بالنور الإلهي فشعّت في كل مكان بنور المسيح ونعمة المسيح وبرّ المسيح.
حقاً كان رفائيل هواويني خادماً أميناً للمسيح من أجل المسيح، الذي لم يجعل عثرة في شيء لئلا تُلام الخدمة، فكان أسقفاً قاطعاً باستقامةٍ كلمة حق، غير متكاسل في الاجتهاد، حارّاً في الروح، عابداً في الرب، فرحاً في الرجاء وصابراً في الضيق، مواظباً على الصلاة والصوم والتوبة والتضحية، مشتركاً في احتياجات القديسين في كل مكان، عاكفاً على إضافة الغرباء، حافظاً الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فيه، الذي قدّم حياته ذبيحة حية للمسيح في أحبائه، فلم يمنعه مرضٌ ولا أوقفه ألم ولا ردّه سفرٌ ولا صدّه عائقٌ، بل كان بولس آخر وذهبي فم ثان، وهو يحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن في أحباء المسيح.
رفائيل هواويني قديس وأسقف ومعلّم وراعٍ وأب، وُلد في آلام الاضطهاد في بلده، وعاش في آلام إحياء الإيمان بالمسيح إلهه في غربته، ورقد في آلام مرضه وهو يصيح صامتاً بكل فخرٍ ومجد: “في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبّنا”.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share