عزّوا شعبي – المطران سابا (اسبر)

mjoa Tuesday September 15, 2015 98

عزّوا شعبي – المطران سابا (اسبر)

لا شكّ في أنّ العمل الإغاثي، الذي تقوم به الهيئات الأبرشيّة ومكاتب دائرة العلاقات المسكونيّة والتنمية في البطريركيّة وأبرشياتها، عملٌ جبّار، ومؤثّر، ويطال أعداداً غفيرة من المتضرّرين والمهجّرين. ومع ذلك، ثمّة جوانب سلبيّة، كما في كلّ عمل بشريّ. لعلّ أهم السلبيات، الناجمة عنه وأخطرها، يكمن في نشوء فهم مغلوط لحقيقة هذا العمل الخدمي،عند عدد لا يستهان به من المؤمنين، الذين يتذمّرون ويلومون وينتقدون، بحقّ أو بغير حقّ. وأكثر مايؤلم أنّ بعضهم يعتبر أنّه أولى بالمساعدة، وإن كان ليس في عوز. سبب رئيس لهذا التشويش يكمن في عدم تفهّم بعضهم لماهيّة العمل.فإمكانيّات الهيئات الأبرشيّة، من جمعيّات خيريّة وغيرها، محدودة.

3azo-cha3biوقد اعتادت، لسنوات طويلة، العملَ بطرقٍ تقليديّة؛وهي تعتمد على التبرعات المباشرة، وإقامة بعض الأنشطة الكلاسيكيّة لتغذية مواردها. غنيّ عن القول إنّ الوضع الحالي لا يسمح لها بالاستمرار في هذه السياسة. وتالياً، فهي تواجه أزمة ما كانت في الحسبان. أمّا الدائرة في البطريركيّة فهي،وإن كان عملها ضخماً، إلا أنّها مؤتمنة على القيام بالخدمات التي تحدّدها الهيئات المانحة العالمية. وهذه وجدت ثقةً وشفافيّة في كنيستنا، فتعاقدت معها لإيصال مساعداتها للشعب السوري، وفق الطرق القانونيّة. هذا يعني أنّ الدائرة البطريركية مُلزَمَة باتّباع شروط المانحين، بكلّ تفاصيلها. ليست الأموال، التي بحوزتها من أفضال المؤمنين، حتّى تُوزَّع عليهم حصراً!! يبقى السؤال الأهمّ: ماذا تستطيع الكنيسة أن تقدِّم، في هذه الأيام الرديئة؟ بدءاً، نذكِّر بأنّ الكنيسة هي شعب الله، بإكليريكيّيه وعلمانيّيه؛ هي كلّ الهيئات والجمعيّات والجماعات الموجودة سابقاً، والتي يجب أن توجد الآن. هذه كلّها يجب أن تضع إمكاناتها، الماديّة والروحيّة والبشريّة، في خدمة المجتمع المتألّم. لا يحقّ لأحد أن يبرِّر استعفاءه من هذه الخدمة. كلٌّ له دوره، ويجب أن يكتشف وإخوته هذا الدور. أن يبقى المؤمنون في وضعيّة المتلقّي والمتذمِّر واللائم، يعني أن يبقوا في وضعيّة خيانة لإيمانهم وإنجيلهم؛ وأن يبقوا في وضعيّة تبريرٍ لكسلهم وتقاعسهم، عن طريق إلقاء اللوم على القائمين على خدمتهم، من إكليريكييّن وعلمانييّن. هذا زمن التبسيط في العيش، والمشاركة بامتياز. لا يحقّ لأيّ كان أن يتقاعس بحجّة عدم توفّر إمكانية المساعدة لديه. قدِّم ما بحوزتك، ولو كأس ماء، ابتسامة، كلمة لطيفة، موقف مشاركة، نظرة حنان، لمسة تعاطف. لنتذكّر كلمة الإنجيل: “من سقى أحد هؤلاء الصغار ولو كأس ماء بارد لأنه تلميذي، فأجره، الحقّ أقول لكم لن يضيع”)مت10/42). قد لا تستطيع أن تقدِّم لتلميذ كلّ حاجياته المدرسية، لكنّك إن قدَّمت له دفتراً تسنده. لا تستعفي بحجّة فقرك. أنت غنيّ بحبّك وإيمانك. هذان، لا تغلق عليهما، فتنغلق جيبك معهما، وتنشأ فاقد القدرة على العطاء.

من لم يعتَدْ على الإحساس بغيره، سيبقى هكذا. الوقت وقت تدريب وتربية للذات. عندما تقدِّم فلساً، ستصير قادراً،على تقديم الملايين، بسهولة، عندما تملكها. أمّا حينما تؤجِّل مساهمتك إلى أن تغتني، فلن تقدِّم أبداً، ولو أصبحت من الأثرياء. ليست القضيّة قضيّة جيوب ملآنة، بل قلوب عامرة بالحبّ. دعتني مجموعة من العائلات الحلبيّة إلى حديث روحي منذ أيام قليلة. أتت هذه العائلات لتتريّض روحيّاً خارج حلب، وتعبّ طاقة روحيّة تحتاجها في ظل المعاناة القاسية، التي تعيشها هناك. هؤلاء من حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، لم يقولوا نحن بحاجة إلى المساعدة، لأنّنا في حلب. بل طالبوا أنفسهم بما يمكنهم تقديمه لمجتمعهم الحلبي.

وهم اليوم، وبالتعاون مع عدّة هيئات محليّة، يقدِّمون وجبةَ غداءٍ لألفي عائلة يوميّاً، بالإضافة إلى دورات روحيّة وتأهيليّة، وتوزيع مواد غذائيّة وصحيّة وألبسة، وذلك ممّا تصل أيديهم إليه. هذا كلّه يتمّ انطلاقاً من بيت صغير استأجروه، ويدفعون إيجاره من جيوبهم شبه الفارغة، التي يملؤها الربّ بطرقه الخاصّة. فصار،بحقّ،”بيت عنيا”. الكنيسة مُلزَمة، بالتأكيد، بوصيّة الإنجيل، “كنت جائعاً فأطعمتموني، وعرياناً فكسوتموني…”(مت25 ). وتكتسب هذه الوصيّة، في الظروف الحاليّة، أولويّة مطلقة. الحرب القائمة في البلد والمنطقة أكبر من أن تجد لها الكنيسة، أو غيرها، حلولاً جذرية. الوقت وقت تعزية.

إنّه زمن تحقيق فعليّ لرسالة المسيح “روح الرب ّعليّ لأنه أرسلني لأعزّي منكسري القلوب… وأعلن الوقت الذي يقبل فيه الربّ شعبه”(لو4/18-19). فليخفّف القادرون من مستوى معيشتهم. وليبدأ كلّ إنسان بالتدرّب على عيشة التقشف، وليتعلّم روح المشاركة. ألا نجرح المهجرين والملتاعين واللاجئين بمسلكيات نقوم بها وكأنّ دنيانا بألف خير؟!! على الرغم من شدّة المآىسي وتنوّعها، فإنساننا بحاجة ماسّة إلى تعزية ورفع معنويات. بحاجة إلى أن يرى حبّاً متجسّداً، إلى أن يثق بأنّ الخير لا يزال موجوداً، وإلى أن تصل إليه لمسة المسيح المُنهِضة، بواسطة تلاميذه.

تستطيع أنتزور مُصاباً، فلا تتردد؛ أن تبتسم لحزين، فلا تتأخر؛ أن تمسك بيد مكسور قلب، فسارع إلى مدّها؛ أن تشارك في هيئة إغاثيّة، فحسناً تفعل؛ أن تلعب دوراً في تجمّع مدني، فهيّا إلى العمل! كم هو عدد الأولادالذين يحتاجون إلى إعادة تأهيل؟ وكم هي النفوس المحتاجة إلى بصيص أمل ورجاء؟ جسِّد إيمانك بالقيامة، الآن وهنا، سريعاً. ما قام المسيح لترتّل له يوم الفصح، بل لكي تقوم معه وبه، وتُقيم الذين هم حولك. هذه مسؤوليّتنا جميعاً، وسوف نؤدي حساباً عنها في اليوم الأخير. وقد نؤديه سريعاً! من يدري؟

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share