لا تخف – المطران جورج (خضر)
نرى يسوع في إنجيل اليوم يدخل إلى حياة تلاميذه كما هي، حياة صيد سمك، ثم يأمر بطرس ان يعود للصيد، ويلقي الرسل الشباك ويصطادون سمكا كثيرا حتى كادت الشباك أن تتمزق والسفينتان أن تغرقا. الانسان في مقاومة لله لأنه متمسّك بمنطقه، بما كان يألفه من أمور الحياة. اما كلمة الله فخالقة فينا حياة جديدة نتجاوز بها كل منطق وكل مأمول.
“تعِبْنا الليل كله ولم نُصب شيئا”. أي ان أحوالنا بقيت على ما كانت عليه من سقوط وانحدار وتأخّر. تعبنا في الليل عندما تخرج منا النعمة، عندما نغض النظر عن نعمة الله ولا نتقبّلها، عندما نُسكت صوت الضمير. هذا ما يرمز اليه الليل عندما يغيب عنه الضوء. ومع ذلك يقول الرسول: “بكلمتك أُلقي الشبكة”. أي ان كلمتك أفضل من الليل لأنها نهار. ومع أن خبرتنا تقول اننا سوف لا نلقى شيئا، سنتجاوز هذه الخبرة لأنك أنت قلت، لأنك تريدنا في السلام والاطمئنان. لأنك أنت تكلمت يستطيع العالم أن يتحوّل. لهذا أيها السيد نتكّل عليك ونمشي فلعلّ الليل يصبح نورا، ولعل المتعبين جميعا يسيرون اليك. هذه هي البداية أن نسلك على الطريق التي يريد.
ثم تأتي صرخة بطرس عند قدمي يسوع وقد اعتراه الذهول: “ابعُد عني يا رب لأني رجل خاطئ”. أنا رجل خاطئ ومع هذا أنا مُعجب بالمسيح، ذاهل، منجذب العقل والشعور اليه لأنه أعطاني ما أعطى. اعترف بطرس بمعاصيه فجذبه الرب بقوته فذهل بما صنعه فيه من تحويل. “اني رجل خاطئ”. ومع هذا أنا سائر وراء الرب، يسحرني فيه انه دائما أعظم مني وأعظم من قلبي الذي يُخطئ وأعظم من عقلي الذي يتردد. ذُهل بطرس والذين كانوا معه، ولأنه ذُهل جعله الرب صيادا للناس، أي انه، بعد الجلجلة وبعد قيامة المعلّم، سوف يذهب إلى العالم ويخطف الناس للمسيح.
الله هو الذي يحوّلنا من أناس خائفين إلى أناس ذوي جرأة. لا جرأة لنا الا بالاستناد إلى الإيمان وبالانطلاق منه. الانسان الذي يخاف ضعيف الإيمان. ولذلك يقول الرسول: “لا تخف فأنك من الآن تكون صائدا للناس”. اذا كنت جريئا تُجابه الناس لأن الناس معرقلون بخطاياهم كما أن السمكة معرقلة بالشبكة لا تستطيع الخروج منها من نفسها.
ويتابع الإنجيل: “تركوا كل شيء وتبعوه”. ان صائد الأسماك يترك بيته وأهله، يترك البَرّ إلى البحر غير المستقرّ، واحتمال العاصفة، يعرّض نفسه للخطر لكي يأتي بسمك. وكذلك الانسان الذي اختاره الله ليصبح صائدا للناس، معرّض للعواصف. جميع الذين يعيشون بالتقوى بالمسيح يسوع، بعد ان يتركوا كل شيء، يُعرَّضون لعواصف الحياة اليومية.
ماذا نترك في النهاية لكي نتبع المعلّم ونقود الناس اليه؟ نترك هذا الحصن الأخير الذي لا يُترَك بسهولة. نترك الأنا، نترك الأهواء كلها لكي نلتصق بصليب المسيح. اذا كان الفادي الذي نشخص اليه في كل حين، واليه فقط، اذا كان هو الذي يهمّنا دون سواه، عند ذلك نكون قادرين على إصلاح الناس، على أن ننتشلهم من خطاياهم ومن الضلال. عند ذلك نكون شفّافين للرب، ناقلين نوره للعالمين، متحوّلين من التعب في الليل، في ظلمات النفس، إلى ضوئه العظيم، ويكون الله وحده سيّدا في الكون.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
نشرة رعيتي
27 أيلول 2015