استعدادنا للميلاد – المطران بولس (بندلي)
“اليوم العذراء تأتي الى المغارة لتلد الكلمة الذي قبل الدهور”.
تأتي هذه الكلمات التي سترافقنا في صلواتنا لتؤكد لنا أننا مطلّون بنعمة الله على حدث هام جداً ألا وهو ولادة ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح من العذراء الكلية القداسة والدائمة البتولية مريم.
منذ خمسة عشر يوماً دخلنا في صوم يعدّنا لهذا التنازل الالهي وغاية الكنيسة المقدسة في ترتيبها لهذا الصوم انما هي ايجاد مناخ روحي يرافقنا فنستعد لاستقبال الكلمة الذي هو “قبل الدهور” أي لم يكن له ابتداء ومع ذلك، ولكي يلتحم بمسيرة تاريخنا البشري، يقبل أن يولد على الأرض وكأنه “يبتدئ” لكي ينهض بنا الى “آفاق أبدية” نجرَّب تجربة قاسية أن ننساها ضمن حدود ضيقة يرسمها الانسان، أي كل منا، لنفسه، فيأتي الينا من ليس له حدود لا في المكان ولا في الزمان ليكسر الطوق حولنا ويحررنا من الآفاق الضيقة التي تكاد الخطيئة تخنقنا فيها لكي ينقلنا برحمته الى تلك التي لا حدود لها في ملكوته نمنح فيه حرية أبناء الله.
أيها الأحباء، هكذا يأتينا الطفل الالهي، هكذا يسعى الينا من ابتعدنا عن نعمته، هكذا يفتقدنا من ليس بحاجة الينا ومع ذلك يزورنا، آتياً الينا، ناسياً بل “متناسياً” آثامنا، غافراً خطايانا بحنانه الذي لا يوصف ويختار، ليقوم بافتقادنا هذا، فتاة عذراء من أرضنا، من بلادنا، فتاة عرفت أن تقول “نعم” للسيد المتحنن فحملته الينا وبقيت السلم السماوية التي رآها يعقوب، خادمة السر الالهي الذي منذ الدهور وغير المعلوم عند الملائكة والذي بها وحدها ظهر لنا نحن البشر الساقطين في هوّة اليأس والقنوط، فأتانا بها الاله الكلمة الذي قبل الدهور.
أيها الأحباء، سر لا يوصف نستعد له، تنازل لا يُدرك ينحدر به الاله الينا. فإن أتانا من له مكانة بين البشر فكم نقدّر له ذلك وكم نستعد بلهفة واهتمام لاسقبال ضيف كريم يشرّفنا؟ ألا يجدر بنا أن نستقبل الهنا منحدراً نحونا من علياء سمائه لكي يرفعنا اليها؟ ألا نلتفت الى التنازل العظيم الذي لا تستطيع أية كلمة أن تتحدث عنه؟
اليوم عذراء فتاة، “القديسة” بين القديسين تأتي الى مغارة لتلد فيها ” القدوس وحده”.
أهلنا الرب أن نستعد لذلك!
الصوم والصلاة وسيلتان مهمتان جداً لاستقبال لائق بذاك الذي يأتي الينا اخذاً صورة عبد، صائراً بشبهنا ومتصرفاً معنا لكي يرجعنا الى صورته ومثاله البهيين اللذين حابانا بهما بين كل المخلوقات.
أعطنا يا رب أن نتذكر تنازلك ونسجد لانحدارك الينا نستقبلك بقلوب نقية تتطهر بنعمتك. آمين.
مطران عكار وتوابعها
+ بولس
نشرة البشارة
العدد 48 – في 1 كانون الأول 1996
الأحـــد السادس والعشرون بعد العنصرة