رسالة رعائية – المطران بولس (بندلي)
إلى الكهنة الورعين والشمامسة الغيورين وأبنائنا الأحباء في أبرشية عكار وتوابعها المحروسة بالله.
نعمة وسلام من الله الآب والرب يسوع المسيح الهنا وفادينا والروح الكلي قدسه.
أيها الأحباء ها نحن ندخل فترة مقدسة خلاصية من حياتنا، ها نحن نبتدئ مسيرة مباركة نستعد فيها يوماً بعد يوم لاستقبال ختن البيعة، عريس الكنيسة في عرس يفوق بما لا يُقاس أعراسنا البشرية، عرس يتم على صليب صُلب عليه رب المجد لكي يصالحنا مع الله فندخل مجده الالهي الذي لا يوصف ونتمتع بأنوار قيامته المجيدة.
هذه المسيرة، نحن مدعوون أن نقوم بها معاً لأنه لا يمكننا البتة أن ننظر الى المصلوب من أجلنا جميعاً والذي بسط يديه ليضم جميع أبناء الله المتفرقين ويجمعهم في اتحاد واحد، لا يمكننا ذلك الاّ اذا سعينا سوية نحوه وقمنا بخطواتنا يدنا في أيدي الاخوة كي نستطيع أن ننظر الى يديه المثقوبتين والنازفتين دماً ذكياً يروي به أرضنا المتعطشة. ولذلك لفت الرب يسوع انتباهنا في الكلام الذي سمعناه اليوم في انجيله المقدس، الى أمور عديدة تكون أسساً ثابتة لصومنا الأربعيني اذا أردناه صوماً حقيقياً واذا أبتغيناه مقدساًحقيقة:
أولاً: طَلبَ الينا أن نغفر ذنوب الاخوة تجاهنا واساءاتهم الينا. ان الرب لا يخفي علينا صعوبة العلاقة مع الآخرين، علاقة تصل أحياناً الى حدّ المعاناة الدائمة ومع ذلك يُلحّ علينا أن نتأمل بغفرانه لذنوبنا الكثيرة فنأخذ من الجراح التي تحملها من أجل معاصينا قوة لكي نترك باسمه لمن جرحنا ونهتف الى الأب السماوي كما علمنا الابن الالهي: “واترك لنا ما علينا كما نترك نحن لمن لنا عليه” ولو اضطررنا أن نكرر هذه المسامحة سبعين في سبعة أي باستمرار لا يعرف التواني كما استمر هو في عمله الخلاصي وشرب كأس آلامه بتمامها مثبتاً خلاصه في وسط أرضنا كي يشملها أيضاً بكاملها، فإذا ما “نظرنا اليه” تأتينا من لدنه قوة تفوق قوى هذه الأرض وتمكننا من أن نقوم بالمسامحة التي يعلن عنها العالم أنها “مستحيلة” فيجيبنا الاله المصلوب محبة بنا: “ما هو غير مستطاع عند الناس هو مستطاع عند الله” وكأنه يوجه لنا كلامه العذب: لا تخف، أنا غلبت العالم بصليب ظنه العالم أنه غاية الضعف ولكن ضعفي، أنا الله، أقوى من الناس، فثابر في طريقي واغفر من أجلي أنا الذي أعطيك اكليل ظفر غير مصنوع بأيدي وأهبك قوة الغلبة والانتصار.
ثانياً: طلب الينا أن ندهن رأسنا ونغسل وجهنا أثناء صومنا لكي لا نظهر للناس صائمين وهنا يرمي هذا الطلب الى حملنا الاَّ نعتبر الصوم غاية بحد ذاته -فهو طريق مهم جداً وعلينا الاّ نهمله لكي نصل الى ما نصبو اليه- اننا نتجه فيه نحو السيد الكلي الجمال الذي تقبّل بصليبه الكريم أن يكون دون صورة أو جمال لكي يعيد لنا بهاءنا الأول. فكيف نستطيع أن نحقق غاية صومنا اذا كنا لا نسعى أن نحقق فينا وداعته وحلمه وطول اناته بنوع خاص في هذه الفترة المقدسة؟ فما ينفعنا صومنا اذا غيّر الجوع طباعنا وحوّل الامساك حياتنا لدرجة أن يجعل تحملنا للناس ضئيلاً جداً فيُظهر ضيق أخلاقنا وعدم تحملنا للناس صومنا أمام أعينهم بشكل مشوّه؟ فهل نقبل بإعلان صومنا بهذه الطريقة وهل يكون صومنا صوماً في هذه الحال؟
صومنا هو معاً أي مع الناس وقيمته أن يكون أمام وجه الله القدوس نحن مدعوون بواسطته أن نكنز لنا كنزاً في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ ولا ينقب سارقون ولا يسرقون.
أهلنا الله جميعاً أن نقطع ميدان الصوم بكل تقوى وخشوع ساعين جاهدين أن ننظر الى من وضعهم الله حولنا كي يصبحوا نوافذ نطل منها على صليب مكلل بأنوار القيامة. آمين.
مطران عكار وتوابعها
+بولس
نشرة البشارة
العدد 8 – في 25/2/1996
مرفع الجبن – أحد الغفران