زيارة مريم لأليصابات – المطران بولس (بندلي)

mjoa Wednesday October 28, 2015 156

زيارة مريم لأليصابات  – المطران بولس (بندلي)
زيارة مريم لأليصابات
“ في تلك الأيّام قامت مريم مسرعة ودخلت بيت زخريا وسلَّمت على أليصابات” (لوقا 39:1-40).
قامت العذراء الكليَّة القداسة والدائمة البتوليَّة مريم بزيارة نسيبتها أليصابات إثر بشارة الملاك جبرائيل لها. ولا نتصورنَّ أنَّ هذه الزيارة كانت “فضوليَّة” لكي تتحقَّق من صحَّة الكلام الذي قيلَ لها من قِبَل ملاكِ الربِّ، لأنَّ مريمَ التي سلَّمتْ كلَّ تدبيرِ حياتِها للرب معلنة أنَّها أمة له وطالبة أن يكون لها ما نُقِل إليها. وكان لا بدَّ له أن يسبِّب “ انقلاباً” بكلِّ ما للكلمة من معنى في مجرى حياتها، فالفتاة المصطفاة من الله التي لم تكُن مستعدَّة، بالتالي أن تقبلَ أيَّ شكٍّ فيما يتعلَّق بالرسالة المنقولة إليها من الملاك، هذه الفتاة -ذهبت إلى بيت زخريا لتشارك فرح هذا البيت بالغلبة على العقر المستعصي لإمكانات البشر والذي غلبته قدرة الله التي تفوق دائماً انتظارنا.

نلاحظ أنَّها لم تبطئ. فعند انصراف الملاك من عندِها، ذهبت فوراً إلى الجبل، ذهبت بسرعة، سعت أن يقصَّر الزمن الذي كان يفصلها عن مشاركة الفرح الكبير الذي أدخلته رحمة الله إلى بيت أليصابات زوجة الكاهن زخريّا الذي بات “في الصمت” ينتظر تحقيق ما قد أُعلِن له من قِبَل الملاك عن افتقاد الله له ولزوجته.
وهنا، وعند دخولها بيت زخريا، وعند إلقاء سلامها على أليصابات، وكان الجنين المكوَّن في رحم هذه الأخيرة منذ ستَّة أشهر، لم يكن منتظراً سوى هذا السلام ليؤكّد، بتحرُّكه، أنَّ الحبل به من “المدعوَّة عاقراً” لم يكن وهماً أو سراباً بل كان حقيقة راهنة افتقد الله بها الزوجين العائشَين بتقواه واللذين كانا يخافان تعيير الناس لهما، فرفع العار هكذا عنهما.
ونلاحظ أنَّ العذراء مريم بُشِّرت أنَّ الروح القدس “يحلُّ عليها” حملت هذا الروح إلى بيت نسيبتها التي امتلأت من الروح القدس، فأحدثت هكذا مقدمة “عنصرة” سوف تأخذ كلَّ معناها عندما حلَّ الروح الإلهي الكلّي قدسه على الرسل القديسين الأطهار بعد قيامة السيِّد وصعوده.
امتلأت إذاً أليصابات الحامل منذ ستَّة أشهر، امتلأت من الروح القدس، وها هي بعد صمتٍ ناتج عن خوف، تتقوّى بالربِّ ولا تكتف بجواب ذي نبرة عادية بل تصيح لتقول أموراً إلهيَّة، كيف لا والروح الذي حلَّ فيها هو الدافع إيّاها إلى هذا الكلام.
أجابت إذاً أليصابات بصوت “عظيم”، أجابت لتعلن:
أولاً: أنَّ مريم مبارَكة في النساء!
ثانياً: أنَّ المولود الإلهي، ثمرة بطنها، مبارَكٌ بل ينبوع كل بركة.
ثالثاً: أنَّ السلام الذي ألقته العذراء الكليَّة القداسة عليها هو الذي حرَّك الجنين – الذي سوف يكون “السابق” للمسيح والذي سوف يشير بإصبعه إليه داعياً رسله الأخصّاء أن يتركوه ليتبعوا من عرفهم عنه أنَّه “حمل الله الرافع خطايا العالم”، كأنَّ هذا الجنين يريد أن يعلن قبل أن يبصر نور هذا العالم، إنَّه يفرح ويُسرُّ بالذي سيعرِّف عنه بالإنجيل المقدَّس أنَّه النور الآتي إلى العالم لكي لا يهلك كلُّ من يؤمن به.
“يرتكض بابتهاج” وكأنَّه مسبقاً يعلن أنَّه “فقط” صديق العريس الذي يبتهج لسماع صوته ويكفيه هذا الفرح لأنَّه فرح يملأ قلبه فلا يعود بحاجة إلى مصدر آخر – يكفيه فرح صوت العريس الإلهي.
هلمّوا أيُّها الأحبّاء نسرع كالعذراء الكليَّة القداسة لكي نشارك الذين يمنُّ عليهم الله بافتقادهم إيّاهم…
هلمّوا نبتعد عن “الفضول” في تعاطينا بشؤن الآخرين لكي نكتشف عمل رحمة الله وبالتالي نساعدهم أن يتقبَّلوا الروح القدس؛ وكيف ننقله إليهم إذا لم نسعى أن نتقبَّله بتواضع العذراء.
أهَّلنا الرب يسوع ابن العذراء الكليَّة القداسة والدائمة البتوليَّة مريم أن نقبل بجناحين كالحمامة فنطير بهما ليس لكي نستريح ولكن لكي نكشف للآخرين عظائم الله. آمين
مطران عكار وتوابعها
+ بولس

نشرة البشارة
العدد 33 – في 18 آب 1996
الأحـــد الحادي عشر بعد العنصرة

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share