لا نُصَلِّيَنَّ يا اخوة فريسياً- المطران بولس (بندلي)
بهذا الكلام نستهل هذه الفترة التي تُعدّنا الى الصوم الأربعيني المقدس وقد رتّبت الكنيسة المقدسة ان نسمعه في صلاة غروب السبت عشية أحد الفريسي والعشار.
ثم أضافت قائلة لنا “لأن من يرفع نفسه يتضع فلنتذلل أمام الله متضعين ولنهتف بواسطة الصيام بصوت العشار قائلين: اللهم اغفر لنا نحن الخطأة”.
أيها الأحباء يرتسم لنا هكذا نهج الصلاة المقبولة من الله: انها صلاة العشار، هذا الانسان الذي وعى نفسه أنه خاطئ فلم يجسر ان يقترب الى الأمام في الهيكل الذي قصده للصلاة، في الهيكل وفي حضرة الله القدوس تراءت امامه خطيئته الكبيرة ولكنه لم يرزح تحت ثقلها كونه أدرك أنه أمام اله يرحم فصرخ وهو يقرع صدره، تحركت شفتاه ليقول كلمة واحدة صعدت من اعماق قلبه وكأنه اهتز عند قرع الصدر ذاك القفص الذي يحويه ليهتف: “اللهم ارحمني أنا الخاطئ” فيقول لنا الرب “أنه نزل الى بيته مبرراً” أي أن الله استجاب صلاته لأنه يقبل أنّات صاعدة من القلب المتخشع المتواضع الذي لا يرذله أبداً.
أما الفريسي، ذاك الذي كان يؤمن ايماناً نقياً لا شائبة فيه والذي كان يطبق الوصايا بأدق تفاصيلها فكان يصوم مرتين في الأسبوع بينما الآخرون كانوا يصامون يوماً واحداً فقط وكان يعشّر كل ما يملكه حتى النعنع والكمون ليشارك خدام الهيكل معيشتهم، كل هذا كان جيداً ورائعاً.
انما نسي رحمة الله ولم يتراءى له أنه ان صام فلكي يساعده صومه ان يقترب من الآخرين فيقترب عندئذ فقط من الله الذي قال لنا أنه يتجلى لنا في الآخر -نسي أيضاً ان الصوم ان اقتصر على الامتناع عن الطعام يصبح شكلياً ويفقد معناه تماماً اذا لم يمتنع فيه عن “أكل الآخر” وتناول صيته كأننا نتناول “لقمة سائغة” ومضغ الكلام عنه في فم أُعطي لنا فقط لنتكلم عن رحمة الله العظيمة.
نسي كل ذلك ليقول لله “أنظر جيداً” أنا لست أبداً مثل الآخرين -انك خلقتني في “قالب” وكسرته بعد خلقي ولذلك انا أشكرك لأنك ميزتني عن كل الناس وبنوع خاص عن هذا الواقف من بعيد (أي العشار) الذي لا يتجاسر ان يتقدم الى حيث أنا لأنه عارف “أنه خاطئ) ولا يتجاسر ان يرفع عينيه الى السماء لأنه على يقين ان لا محلَّ له فيها بسبب مخالفاته الكثيرة لوصاياك.
تبّا لصلاة الفريسي المتعجرف الذي يعتبر ان الأعمال تبرره دون ان يكون قلبه منسحقاً أمام الله.
تبا لصلاة تمنن الله الخالق والمبدع وننسى أنه مصدر كل عطية صالحة وكل موهبة كاملة.
تبا لصلاة لا تخرج من قلب متخشع ومتواضع وهو القلب الذي لا يرذله الله.
لذلك لا نصلّيَن يا اخوة فريسياً لأن من يرفع نفسه يتضع بل فلنتذلل أمام الله متضعين ولنهتف بواسطة الصيام بصوت العشار قائلين: اللهم اغفر لنا نحن الخطأة. آمين.
مطران عكار وتوابعها
+بولس
نشرة البشارة
العدد 5 – في 4/2/1996
أحــد الفرّيسي والعشّار