زيارة تهنئة للمطران يونان (الصوري) من فرعي الميناء ودده
بمناسبة انتخاب رئيس دير سيّدة بكفتين قدس الأرشمندريت يونان (الصّوري) متروبوليتًا على أبرشيّة زحلة والهرمل وتوابعهما للرّوم الأرثوذكس، وقُبَيل سيّامته، قام وفد من فرع الميناء ضمّ رئيسة الفرع الأخت باتي حدّاد ولفيف من الإخوة، مساء الأحد الواقع فيه ٢٠١٥/١١/١، بزيارة تهنئة له انضمَّ إليها إخوتنا في فرع ددّه، بمعية الأخ آدي الزّاخم رئيس الفرع.
بدايةً، وبعد ترحيبه الحارّ بالجميع وإعرابه عن سعادته باللّقاء، استمع قدسه، بعنايةٍ، لأفكار وهواجس الشّباب وتطلّعاتهم نحو المستقبل وتمنّياتهم بتعزيز دور كنيستهم على كافّة الأصعدة.
نهايةً، كانت كلمة له توجّه فيها إلى الحضور مُوصيًا إيّاهم التّحلِّي بروح الصّبر والمحبّة في العمل والعلاقة مع الآخرين متمنيًّا دوام التّواصل، وقد جاء فيها:
“أتمنّى أن نبقى على تواصل وتبادل للزيارات، بإذن الله، وأن يعتبر كلٌّ منكم نفسه مسؤولًا في الكنيسة، فإذا حمل كلٌّ منا وجوده فيها على محمل الجدّ سيرى ما يطلبه الرّبُّ منه، كائنًا مَن كان وأينما وُجد، الأمر الّذي سيؤدّي باعتقادي إلى نموِّها بسرعة.
لكن النّقطة الأساسيّة، الّتي أوَجِّهها لنفسي أوّلًا، هي عندما قيل لملاك كنيسة أفسس في سِفر الرُّؤيا: “لا تنسى محبّتك الأُولى”، لأنّه، دائمًا، تكون مُباشرتنا لأيّ عملٍ أو مشروعٍ بحُبٍّ وفرحٍ، لكن سُرعان ما ينطفىء، بعد مدّة، لأنّ المحبّة تخفُت، ربّما بسبب العراقيل والصّعوبات الّتي لا بُدَّ منها.
لذلك، يقول القدّيس أنطونيوس الكبير أنّه كان يبدأ يومه كأنّه في اليوم الأوّل لدخوله الحياة الرّهبانيّة الّتي اختارها، بمعنى أنّه كان يحيا، دومًا، بهذا الشوق، الاندفاع وامتلاكه حلم الوصول إلى ما يصبو إليه.
برأيّي، هذا هو سرّ النّجاح، الفرح والقوّة، في كلّ شيء، لكي يستطيع الإنسان مواجهة الصّعوبات بصبرٍ ورجاء. ولا يسَعنا، ههنا، إلّا أن نطلب من الرّبّ أن يُعطِينا تذوُّق خبرة حلاوته، في حياتنا، لأنّ مَن لم يتذوّقها لا يملك الطاقة الّتي ستجعله في هذه الرّوحيّة، الّتي تكلّمنا عنها مُنذ بُرهة.
كما تُوجَد لمسة من الرّبّ، في حياة كلّ إنسان، بحيث يُعطيه نعمةً، إن كان صادقًا في طلبه، تدفعه طيلة حياته للبقاء بهذا الشّوق نحو الله.
وإنّني أصلّي لكي يعطيكم الله وإيّاي هذه النّعمة، لِنبقى في روح الرّجاء، عدم اليأس، الاندفاع بغير تهوّر، النقد البنّاء وروح القبول للكثير من الأمور فضلاً عن حمل الصّليب والبقاء عليه حتى يُغيّر الرّبّ ما لا يُمكننا تغيّيره.
صحيح أنّ على الإنسان معرفة حدوده، ولكن الأهمّ أن يعي متى ينتهي دورُه ليبتدئ دور الرّبّ، حافِظًا ذاتَه من الوقوع في اليأس، الكُفر ورفض الله.
نحن لا نستطيع أن نُغيّر العالم، وبالتّالي، أنفسنا بالرّغم من سعينا إلى ذلك. فإذًا، الموضوع هو أنّ على الإنسان طلب معونة الرّبّ ومعرفة كيفيّة وضع القليل عنده وترك الأمور بين يديه.
عندما تواجهكم الصّعوبات وتجدون أنفسكم أمام حائطٍ مسدودٍ لا تيأسوا، بل على العكس، هذه هي اللّحظة الّتي يهبكم إيّاها الرّبّ لكي تتّكلوا عليه، فترون كيف يحلّ الأمور بطريقةٍ بسيطةٍ لا تفهمونها.
إذًا، علينا أن نتلقّن كيف أنّ حياتنا هي مع الله وكيف نُعطي كلّ شيء لدينا، مُدركين أنّنا لا نملُك شيئًا.
ومَا علينا معرفته، في حياتنا، أنّ المرء يتطلّع، في بعض الأحيان، إلى أمورٍ، بدون صبرٍ، ممّا يؤدّي إلى دخوله في اليأس، الإحباط، الصّراع مع نفسه ورفض الله الخ.
وفي وقت من الأوقات، سيرى كيف يعطيه الله ما يطلب، في الوقت المناسب، لأنّ الرّبّ هو سيّد الأزمنة، بمعنى أنّه هو من يعرف متى يكون الوقت ملائمًا.
لا أُخفي عليكم أنّني ما زلت في مرحلة استيعاب نبأ انتخابي لرعاية أبرشيّة زحله، مع يقيني بأنّني مُزمِعٌ أن أذهب الى الجلجلة حيث أُعَلَّقُ على الصّليب ولن أنزل عنه. ولكن الصّليب والصّعوبات، الّتي تواجه الإنسان، لا بُدّ منها. إن تطلّعنا إليه كخشبة ألمٍ سنقع، حتمًا، في اليأس والإحباط، ولكن إن نظرنا إليه كعطيّةٍ من الرّبّ له، ليقول له أنّه يُحبّه، سيقبل بأن يعلّق عليه حُبًّا به، عندها سيصير مكانًا للمجد، للفرح، للقيامة وللغلبة.
الصّليب، بالنّسبة لنا، ليس يأسًا، ولا ألمًا أو موتًا، هو نقيضهم جميعًا، بحيث لا يُمكن الوصول إليهم دون المرور بالصّليب.
على الإنسان أن يُدرك وجوب تسليم ذاته لله، وأنّه، في أحيانٍ كثيرةٍ، لن يكون مقبولًا ومفهومًا، بل سيراه النّاس ضعيفًا، لأنّهم يرون الحبّ ضعفًا، الرّأفة واستيعاب الآخر خوفًا أو قلّة ثقة، وأحيانًا، الرّحمة هروبًا من الحزم.
لِيعطينا الرّبّ، جميعًا، بصلواتكم روح التميّيز والحكمة، لأنه لا يمكننا التّعاطي مع البشر بطريقةٍ واحدة، لأنّ كلّ إنسان فريد ومميز ولا ينبغي النّظر إليه من الخارج. حتى أنّ أسلوب تعاطينا الخارجيّ مع العاملين في الكنيسة وخارجها سيكون ناقصًا جدًّا، لأنّه، في كثيرٍ من الأحيان، لا يُعبِّر الخارج عمَّا هو في الداخل.
أطلب من الرّبّ أن يعطيني، وإيّاكم، الرّوح الّتي تسمح لنا أن نرى ما في داخل الإنسان.
كما يقول بولس الرّسول: “لا شيء غير روح الرّبّ يعرف ما في الأنسان”.
من أجل ذلك، أشعر أن الرّبّ قصد من خلال إقامتي في هذا الدّير أن أتعلَّم الكثير عن النّفس البشريّة، من خلال ذاتي وما مررت به والنَّاس الّذين تعاطيت معهم.
ممّا لا شكّ فيه أنّني لم أعد أنظر إلى الإنسان كالسّابق، ولكن أتطلّع إليه في كلّ حركة، كلّ كلمة وكلّ نفس، وأرى أكثر بقليلٍ ممّا يظهرون خارحيًّا، وهذا مهمّ جدًّا، باعتبار أنّ لدى أغلبيّة النّاس خوفٌ كامِنٌ في ذواتهم من الآخر. إنَّ سرّ نجاح علاقتك به تكمُن بمحاولة طرد الخوف بالمحبّة، الّتي تَهبُه إيّاها. هذا هو سرّ الرّبّ يسوع في بشارته، والرّسل والقدّيسين مِن بعده، وهذه هي عطيّة النّعمة، الّتي يمنحها الرّبّ لِطالبها، الّذي لا بدّ له، حتّى يحصل عليها، أن يمرّ في جحيم نفسه ويعرفها، أوّلًا، ليبدأ التطلّع بعيون الرّبّ في النّاس.
أصلّي لكم طالبًا صلواتكم، أيضًا، لِيمنحني الرّبّ، وأيّاكم، النّعمة، الّتي تجعل عملنا في الكنيسة يتغيّر بصورةٍ نوعيّةٍ، إذا جاز التّعبير، لأنّه يُصبح كلّ إنسان موضوع حبّنا وصورة المسيح، الّتي من الممكن أن تكون مشوّهة أو متألّقة. هذا هو السرّ، لا يمكنك أن تقنع نفسك أنّ المسيح يكمُن في ذلك الشخص، لكنّك ُتعطَى أن تراه في الآخر حين تراه في ذاتك، بحيث إذا لم تراه فيها لا يمكنك رؤيّته خارجًا، ولكي تراه فيها ستُشاهد نفسك ساقطًا، ضعيفًا ومحتاجًا للرّبّ.
هذه هي إذا أردتم قصّة الحياة الرّوحيّة، كما نُسمّيها، أو الحياة في المسيح، وإنّ الحياة الرّوحيّة هي سرّ الحياة في الرّوح القدس، الّذي يهبنا أن نرى الله والمسيح، في داخلنا وفي كلّ المسكونة، لأنّه كما يقول المزمور “للرّبّ الأرض بكمالها المسكونة وجميع السّاكنين فيها”. إذا لم يكن الواحد منّا غريبًا كالمسيح لا يُمكنه أن يصبح قريبًا من النّاس.
لِيُبارككم الرّبّ، وبمشيئته، نبقى في رباط الوحدة، الصّلاة، المحبّة، التّعاون والتّواصل”.