“ثقوا أنّي قد غلبتُ العالم” – الأب جورج مسوّح

mjoa Wednesday November 4, 2015 228

“ثقوا أنّي قد غلبتُ العالم” – الأب جورج مسوّح

قال يسوع لتلاميذه في خطبة الوداع: “قلتُ لكم هذا لئلاّ تزلّوا. سيفصلونكم من المجامع، بل تأتي ساعة يحسب فيها كلّ مَن يقتلونكم أنّهم إلى الله عبادةً يؤدّون. وسيفعلون ذلك، لأنّهم لم يعرفوا الآب، ولا عرفوني. لقد قلتُ لكم هذه الأشياء لتذكروا، إذا أتت الساعة، أنّي قلتُه لكم. ولم أقلْهُ لكم منذ البدء، لأنّي معكم كنتُ” (يوحنّا 16، 1-4).

trustgod في ظلّ الظروف الراهنة في بلادنا المستباحة، حيث الفتنة مستمرّة، والانقسام المذهبيّ يزداد حدّةً، والقتل العبثيّ والمجّانيّ يستشري… نعود إلى الكلمة الإلهيّة، كي نستوحي منها، نحن خلاّن يسوع، سلوكنا بما يتفّق مع هذه الكلمة حتّى لا نقع في التجربة بل نبقى أوفياء لمقتضيات الإنجيل وتعاليم الربّ والشهادة الكنسيّة. فالكنيسة، عبر العصور، معظم تاريخها تاريخ شهداء عانوا مرارة الاضطهادات، وثبتوا على الرجاء والإيمان والمحبّة، ولم يتخلّوا عن قناعاتهم، وقدّموا ذواتهم على مذبح الربّ. ونحن مدعوّون إلى أن نقتدي بهم، كما هم اقتدوا بالربّ.
 لقد أنبأنا السيّد المسيح بأنّنا سنواجه شتّى أنواع الصعاب والضيقات والاضطهادات، حتّى إذا أحاطت بنا المحن، لا تثبط عزيمتنا ولا نصاب باليأس والإحباط. هو أنبأنا بكلّ ذلك حتّى نتشجّع ونتقوّى بالربّ “في كلّ حين”. في أيّام الرسل، اضطهد اليهود أبناء قومهم ممّن اعتنقوا المسيحيّة، وطردوهم من مجامعهم، وكانوا يظنّون أنّهم، عبر مطاردتهم المسيحيّين وقتلهم، يؤّدون عبادة إلى الله. فيقول عنهم القدّيس بولس الرسول: “وإنّي لأشهد لهم، أنّهم ذوو غيرة لله، ولكن على غير معرفة كاملة” (رومية 10، 2)، كما لو أنّه يقول لنا اليوم: “إنّكم ستحتملون ضيقات من قومكم، لكن عليكم أن تقبلوها بثبات، ولا تبغضوهم بداعي غيرتكم على إيمانكم”. أمّا القدّيس استفانوس، أوّل الشهداء، فراح يصليّ من أجل الذين شرعوا بقتله: “ثمّ جثا استفانوس على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم: يا ربّ، لا تُقم لهم هذه الخطيئة. وإذ قال هذا رقد” (أعمال الرسل 7، 59-60). هؤلاء المتحمّسون للشريعة حسبوا أنّهم إلى الله يؤدّون عبادة عندما راحوا يقتلون حاملي رسالة يسوع القائم من بين الأموات.
 في هذا السياق يقول القدّيس كبريانوس القرطاجيّ (+258): “لا يتعجبنّ أحد إذا كانت الاضطهادات المستمرّة تلاحقنا، فإنّا نُمتحن دائمًا بمزيد من الضيقات، لا سيّما وأنّ المسيح أنبأ بوقوعها في الأزمنة الأخيرة. لقد درّبنا الربّ، بتعليمه ووعظه، كيف نجبه هذه الحروب. رسوله بطرس أيضًا علّمنا أنّ الاضطهادات ستحدث لامتحاننا. فعلينا أنّ ننظر إلى مثال الأبرار الذين سبقونا، وأن نلتصق بمحبّة الله بالموت والآلام. اسم يسوع سيجدَّف عليه، إلاّ أنّ المسيح سيمجَّد فينا”.
بناءً على قول يسوع لتلاميذه: “ستعانون ضيقًا في العالم، لكن ثقوا أنّي قد غلبتُ العالم” (يوحنّا 16، 32)، ينبّه القدّيس مكسيموس المعترف (+662) سامعيه إلى عدم الوقوع في فخّ الخوف، فيقول: “وإذا شئنا أن نسمّى باسم الله، فلنجاهد كي لا نخون الكلمة كيهوذا بالأهواء، ولا ننكرها كبطرس. نكران الكلمة هو التخلّي عن فعل الخير نتيجة الخوف. خيانته هي خطيئة متعمَّدة، واندفاع نحو الخطيئة”. ويختم مكسيموس قوله هذا بالتأكيد على أنّ “المجد انقضاءُ كلّ خطيئة”.
 “ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب. فكونوا حكماء كالحيّات وبسطاء كالحمام. ولكن احذروا من الناس. لأنّهم سيُسلمونكم إلى مجالس وفي مجامعهم يجلدونكم. وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادةً لهم وللأمم. فمتى أسلموكم فلا تهتمّوا كيف أو بما تتكلّمون. لأنّكم تُعطَون في تلك الساعة ما تتكلّمون به” (متّى 10، 16-18). لم يكن يسوع يتحدّث بهذا الكلام مع رسله القدّيسين وحسب، بل معنا نحن أيضًا، أبناء هذا الجيل، كي لا نحزن ولا نخاف ولا نيأس، لأنّ تعزيتنا تكمن في إيماننا بأنّ “يوم الربّ قريب”. تعالَ أيّها الربّ يسوع.
ليبانون فايلز
04 تشرين الثاني 2015

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share