من كالله – المطران باسيليوس (منصور)
الإخوة والأبناء الأحباء،
في الأحد الماضي عيّدنا عيد رئيس الملائكة ميخائيل، وأسمه يعني من كالله أو من مثل الله. بالطبع كجواب قاطع، لا يوجد، مثلُ الله، لا بالطبيعة، ولا بالصفات. لأنه غير موصوف، غير محدود، لا يحدُّه قياس ولا يعدُّه عدد. وهو بطبيعته وبوجوده، فريد، ليس له ثاني وهو واجب الوجود، موجود بذاته، ولا يوجد عنده صيرورة لأنه كامل بمعنى كمال اللانهاية. ونرتل له: “أي إله عظيم مثل إلهنا” في خطابِ تحدِّي الأمم، الذين يعبدون آلهة من صنع أيدي البشر. ويعتبر الرسول بولص أن لا وجود لآلهة الأمم بل هي إختراعاتُ عقولهم، فليس من آلهة مهما تكلَّم عنها عابدوها. ويقول أن لا إله إلا الله.
(είς θεό μόνος ) الله واحد فقط.
ولكن في الكتاب المقدَّس يطالعنا النبي موسى في الإصحاح الثاني من سفر التكوين أن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله “لنصنعنَّ الإنسان على صورتنا كمثالنا” فما العلاقة بين هذه الآية وكون الله لا يقارب بشبيه.
فعندما يقول أن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله، أي أعطاه الإمكانية والنعم في صيرورته لينميها بمعونة الله ويترقى الى الكمال.
يقول في سفر الخروج “أنتم آلهة وبنو العلي تدعون”. فماذا يعني هذا الكلام. يعني أننا شركاءَ الله الذي جعلنا شركاء له في السيادة على هذا الكون فنخلق نحن بالإبداع ما أوجده هو من العدم.
وشاركنا في صفاته التي مهما عددناها لا يمكننا أن نحصرَها إذا فكرنا بها من ناحية التفصيل والمقاييس البشرية بالنسبة لله.
الإنسان يوصف بالكرم. ونقول الله كريم، ولكن هي صفة لا تحدُّها المقاييس البشرية بالنسبة لله.
الله محب، وأعطى للإنسان أن يكون محباً.
الله عطوف، وأعطى للإنسان أن يكون عطوفاً.
الله رحيم، وأعطى للإنسان أن يكون وديعاً، رحيماً، لطيفاً.
الله غفور، وأعطى للإنسان أيضاً أن يكون غفوراً، وهي من الصفات الأساسية للقداسة.
الإنسان فقط لا يأتي بشيء من العدم، ولكن الله تعالى أعطاه أن يبدع في العلم والخلق والحياة الروحية لدرجة نظنُّه وقد أتى بشيء جديد، ولكن بنعمة الله صار ما وصل إليه.
مشابهة الإنسان لله في أشياء كثيرة ليست فقط ضمن العلم والأشياء المعنوية والروحية، بل وفي الكيان.
يقول لنا: “كونوا قديسين كما أني أنا قدوس يقول الرب الإله”.
كونوا كاملين، يقول ربنا يسوع المسيح: “كما أن أباكم السماوي كامل”. ويطالبنا الرسول بولص أن نصبح على ملء قامة ربنا يسوع المسيح.
القديس أثناسيوس الإسكندري يقول: “لقد صار الله إنساناً لكي يصيِّرَ الإنسانَ إلهاً”، وهو بمعنى الحصول على الكمال بتأييد الله ومعاضدته. الإنسان وحده هو المخلوق الأعظم في كل ما خلق الله من أكوان وموجودات. أعطاه أن يرث ملكوت الله الذي خلقه للذين يحبونه قبل إنشاء العالم، فالإنسان وارث وحبيب، ومولود لله بالمعمودية “يولد من الماء والروح”.
الإنسان متبنّى بيسوع المسيح، وصار إبناً لله بيسوع المسيح، ووارثاً معه. والإنسان المؤمن يصرخ “أبا أيها الآب”. وعلمنا السيد له المجد أن ندعوه في صلاتنا “أبانا الذي في السموات”.
الملائكة أرواح خادمة “الصانع خدامه كالنار يلتهبون”، وجعلهم حراساً لنا، ومرسلين لأداء البشارة.
يمكن للإنسان أن يعيش كالملائكة، وقد يكون هذا من طبعه، وعلى مستوى الحياة الإجتماعية. والملائكة تبقى في الدرجات المحدَّدة لها. الملائكة لا تأتي بشيء من عندها بل تعمل بحسب المهام المناطة بها.
أما الإنسان، مدعوٌ أن يكون على مثال الله، وعلى ملء قامة ربنا يسوع المسيح بالجسد والروح، أي إنساناً قيامياً.
عظمة الإنسان تتجلى في محبة الله له إذ أرسل إبنه الوحيد كفارة عنا ليعيدنا الى الفردوس. نحن سقطنا، وجماعة من الملائكة سقطت. عمل لأجل إعادتنا الى الفردوس، ووعدنا بذلك ومعنا كل الخليقة وعدها بإصلاح شامل. ولكن هل كان سقوط الشيطان مدعاةً لسر التجسُّد. بكل تأكيد لم يكن كذلك.
إذاً أيها الإخوة الأحباء، نحن مدعوون أن نتشبَّهَ بالله وليس بغيره. فالرسول بولص يقول لنا: “إقتدوا بي كما أنا أقتدي بالمسيح”.
إنها لدعوة وتحدي عظيمين بالنسبة لنا نحن الذين نحمل الإسم الأعظم، والذي به غُلِبَ الموت “لأننا بإسمك ندعى”.
فهل نقبل أن نقارن بين دعوة الله لنا، ودعوة العالم. العالم يجرُّنا الى العبودية باسم الحريّة. والى الفوضى باسم التحرر، والى جميع المساوئ وأرذلها باسم تحقيق الذات والإنعتاق من مخلَّفات الماضي الإجتماعيّة والتربوية والدينية. بينما دعوة الله لنا أن نتحرّر من الشر ومن فساد الأخلاق. دعوته لنا، التحرر من الشهوات وإذا قصَّرنا، يعتمد على ضعفنا ليصيِّرنا قديسين وكاملين. هو الذي يرتب العائلة ويعطي الحنان للوالدين، ويجعل الاكرام في أذهان الأبناء. فدعوتنا أولاً أن نعيش حياة ملائكية على الأرض، وبعد ذلك يكمل أَخذَهُ بأيدينا في مراقي القداسة لتحقيق ما لا تستطيع الملائكة أن تحصل عليه.
لقد قال ربنا يسوع المسيح لتلاميذه: “لا أعود أسميكم عبيداً بل أحباء لأن العبد لا يعرف ما يعمل سيِّده”. وقال بمناسبة حضِّه على فعل الخير والتضامن بين البشر، وعناية القادرين بغير القادرين، ورعاية أصحاب الإمكانيات بالقاصرين “مهما فعلتم بأحد إخوتي هؤلاء الصغار فَ لي تعملون”.
إذاً أيها الإخوة، على الإنسان أن يسعى ليتشبه بالله، فيحمل صفاته الإلهية على قدر الطاقة البشرية المرتمية في أحضان الله ليصبح الإنسان بالفعل أكبر وأهم من كل ما هو مخلوق، وكما هو في عناية ورعاية الله.
أعاننا الله أن ندرك هذه الدرجات السامية التي نحن مدعوون إليها، وأن ندرك في أعماقنا أن هذه الدعوة هي دعوتنا جميعاً، وأن نعتبرها هدفنا لنتحرّر ممّا يشتِّتنا عنها. وبالحقيقة أيها الأحباء، نحن مدعوون أن نتشبَّه بالله لا بغيره.
فلنباركه في حياتنا له المجد والعزة والملك الى الأبد.
نشرة البشارة
15 تشرين الثاني 2015