تعال اتبعني – المطران جورج (خضر)
يأتي رجل إلى السيّد ليجرّبه. كان هذا الرجل جيّدًا لأنَّه حفظ الوصايا وتبعها كلّها: لا تسرق، لا تزن، لا تشهد بالزّور… ومع ذلك قال له السيّد: «واحدة تعوزك: بِعْ كل ما لك ووزّعه على المساكين… وتعال اتبعني»، أي أنك لست كاملاً إذا حفظت الوصايا فقط.
إذا قبِلَكَ المساكين في قلوبهم قبِلَكَ أبي في ملكوته. أي إن لم يكن الفقراء راضين عن أحدهم لا يكون الله راضيًا عنه. رِضَى الفقراء من رضى الله.
قال داود في المزامير عن البارّ: «بدّدَ أَعطى المساكينَ، فيدوم برّه إلى الأبد» (مزمور ١١٢: ٣). لم يقل تصدّق بألف ليرة أو بخمسة آلاف. قال: بدّدَ. ماذا نقول اليوم والنظام نظام سعي لتكديس الأموال ونظام مصارف ووفرة مالية؟ ما دام هذا النظام قائمًا، كيف يستطيع الانسان ان يبدّد؟ آباؤنا اللاهوتيون الكبار كباسيليوس الكبير ويوحنا الذهبي الفم قالوا ان كلاّ منّا وكيل على ما يملك. انت موكل على مالك لمصلحة الجماعة.
الغنيّ فعلاً هو الذي يكون الله كبيرًا في عينيه، وهذا يكون حارًّا كالأنبياء لا ممالقًا ولا مستزلمًا. نحن علينا أن نساوي في عقولنا الغني والفقير، أن نعظّم الذين يسلكون سلوك الأنبياء وأن يجذبنا الأبرار. الضعيف والمريض والحقير والمسكين والمرذول في مجتمعنا هذا هو الذي يُعظّم.
لماذا يحرص الناس على ما عندهم؟ لماذا يُمسكون عن العطاء؟ لأنهم يخافون الموت. يخافون أن يلقاهم الموت وهم بلا مال في قبضة أيديهم. يعرفون أنهم سيذهبون إلى القبر عراة حفاة، ومع ذلك لا يتعلّمون. من عنده يستزيد، ومن ليس عنده يستزيد، وكلّها سباق إلى «الشطارة». كلها مباريات إلى الأمجاد، وتنتهي المباراة في القبر.
اذن ماذا نعمل؟ نفتح القلوب إلى القلوب. ليست القضية بأن نعطي دراهم قليلة أو وفيرة، لكن القضية أن ينكسر القلب أمام المريض والضعيف والمرذول والمُحتَقر، والقضية الكبرى ان نعتبر أنفسنا كلا شيء. من اعتبر نفسه انه لا شيء، هذا يجعله ربه شيئًا. القلوب منغلقة متحجّرة لأنها متكبّرة. اما من أراد ان يشابه المسيح فهذا يعتبر نفسه كلا شيء. ربّنا كُسر على الصليب ودِيس تحت الصليب، ولذلك ارتفع إلى أعلى السماوات. دعوتُنا الكبرى أن نُحب الناس، كلّ الناس. عزّتُنا الكبرى ان نرفعهم فوق رؤوسنا. كرامتنا بأن نُحب، بأن ننسى معاصي الناس. أنت عظيم إذا داسك الناس واضطهدوك وعرفت أنك محبوب من المسيح. ما همّك من الناس؟ ان يقولوا فيك الشيء الحسن؟ هذه تجربة شيطانية. «ويل لكم إذا قال فيكم جميعُ الناس حسنًا» (لوقا ٦: ٢٦). هذا يعني انكم تريدون المديح. الإنسان البار يأبى المديح.
أن ندخل الملكوت يعني أن نُعاين الخير. ملكوت الله يعني المحبّة والحقيقة. أن ندخل الملكوت يعني أن ندخل إلى نطاق الحقيقة وإلى نطاق البر وأن نكون صالحين بالحق. وهذا يعني ان تنكسر قلوبنا أمام كلّ الناس، وان نصمد، وان نحب، وان نطيع، وان نمتدّ بالمحبّة إلى أقاصي الدُنيا، وان نفتح قلوبنا لنُدخل اليها الفقراء والمضطهدين والمرذولين والذين ليس لهم اسم ولا مجد ولا كرامة. إذا دخل هؤلاء إلى قلوبنا واتّحدْنا بهم وأحببناهم والتصقنا بهم، عندئذ نكون كالمسيح واصلين إلى قمّة المجد.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)