كلمة الامين العام فادي نصر في مؤتمر جبل لبنان الخامس والعشرين
سيادة راعي هذه الأبرشية المتروبوليت جاورجيوس الجزيل الاحترام
لكونها المرّة الأولى التي أمثل فيها أمامكم من موقع خدمتي كأمين عام، أنتهزها مناسبة لأشكر محبتكم الراعية والخاصة. وعذرًا سلفًا لأني سوف أخدش حيائك وتواضعك ولكن الحقَّ يجب أن يُقال ويُصْدح به “يا عريس هذا الجبل، وأنطاكية ومخصبها، يا من آمن بتعدّد المواهب وأطلقها حتى أصبحت أنطاكية غابة بطم وسنديان وعرعر وواحة رياحين وزهور”.
إن هذا المركز (مركز جبل لبنان) في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، وهذه الأبرشية المحفوظة بصلواتك وتضوّع طهرك في أرجائها سوف يبقيان أمينين على هذا الغرس. وها نحن اليوم نرى ثمار غرسك ينمو، وغرسك في هذا الجبل، وهو كثير، قد نما كنحلة في ظلّ هذه الأرزة الدهريّة التي سطع نور قمرك عليها في هذا الظلام الحالك عاكسًا إشعاع شمس الشموس ونور الأنوار “المسيح” المحّي الزرع والمغدق علينا بك نعمًا كثيرة نعيش على دفئها ورحيقها.
سيدي أعود وأردّد شكرا لله لأنّه أعطانا أن نعيش في زمنك أنت الذي جسّدت كيف أن الحب والجمال فقط ينقذان العالم، أعطانا الربّ أن نأخذ بعضًا من خصالك لكي نشفّى ونرتفع عن صغائر هذا العالم يا من أردتنا دومًا كبارًا. احملنا معك إلى مطلات الضوء علّنا نكبر على بعض من كبرك ونسمو ببعض من سموك ونفقه بعضًا من علمك ونحفظ بصلاتك المتناثرة على جميع هذه الأرجاء التي رعيتها بالحبّ والصبر والصلاة وبراعة الفهم.
قدس الآباء الأجلاء
أختي رئيسة المركز
أخوتي
هي مناسبة مفرحة لي أن أشارككم لقاء الوحدة هذا. والخدمة التي شاءت محبتكم أن تنتدبني لها إنّما هي أساسًا، وأولاً، خدمة صون وحدتنا معاً في خدمة الكلمة ونشر البشارة به. لا شكّ أنكم تدركون حجم مسؤولية كلّ منا ازاء هذا الأمر، أمسؤولية شخصيّة كانت أم جماعية. وهنا أتوّقف أمام الموقع، والدور الخاص، المرتجى من مركز الجبل تدعيماً لهذه الوحدة. فلا ننسى كونه المركز الذي رعاه المؤسّس وأفرز العديد من المعلّمين والقادة، وزرع، على مرّ تاريخه والى اليوم، بذور الحركة في نفوس كثيرة. هذا ما يلفتنا، كأعضاء ومسؤولين الى تحدّي أن نكون في هذه المحلّة مثالاً يُحتذى. هو الأمر يا أحبّة الذي يستدعي منّا أن نفتح قلوبنا وأذهاننا ليحلّ الروح الذي يجمعنا فيها بدل ما يشتّتنا ويضعف وحدتنا.
يا أحبة
إن أهمّ ما يساهم في تدعيم وحدتنا هو وعينا السليم لما نحن ننتمي اليه. إن اكتسبنا هذا الوعي استقامت مسيرتنا، واستقامة الحياة الحركيّة إنما تقاس به وليس بكثرة الأعضاء والمراكز والفروع في حركتنا. إنّ ما استخلصته من حديث الأمين العام السابق الأخ رينه أنطون الى مؤتمرنا الحركي العام، وما رافق أعمال المؤتمر من حوار حوله وما خلص اليه من توصيات يلفتني الى أوّل ما علينا أن نسعى اليه، وهو أن نستكمل ورشة التربية على هذا الوعي النهضوي ونفعّلها، ونولي الأهميّة اللازمة لكلّ مقتضياتها. والمقتضيات التي أقصدها هي الممارسة الحركية اليومية التي هي سبيل مهّم إلى اكتساب العضو الحركيّ النضج النهضوي، فلطالما قلنا بالتربية على ما هو معاش. هذه الممارسة الحركية يحتاجها ثقةً أكبر بالاجيال الشابة وجرأة التسليم لقيادة هذه الأجيال هنا وهناك المستندة الى الثقة بحضور الله وسط كنيسته ومحبّيه. يحتاجها جرأة أن ننقض ما يصعّب علينا حفظ الحركة في “محبّـتها الأولى”، أيّ حفظها في الهوية التي شاءها الله لها. وأعني به كلّ ما يصعّب هذا الأمر، أو يعيقه، أكان من أطر أو أنظمة أو عادات ارشادية وتقاليد نشأنا عليها. وهنا لا يخفاكم ما سبق أن ذكره كلّ الأمناء العامّين، دون استثناء، أن الارشاد، والتلمذة حياةً، هو الأساس الذي عليه تُبنى استقامة التزامنا يسوع المسيح. يحتاجها أن يحضر همّ الكنيسة في يومياتها بشكل أكثر فعالية ممّا هو عليه. هذا ليس شرطه، بالضرورة، أن ينخرط كلّ الحركيّين في الأطر الرعائية حيث قد تختلف الظروف الرعائية بين هذه المحلّة أو تلك، بل أن يحضر الهمّ الرعائي هاجساً واهتماماً وانفتاحاً وحواراً مع الرعاة وكلّ معني بهذا الهمّ أياً كان ما يحيط بالحركة من ظروف. نحن يا أحبّة بقدر ما نُسأل عن تربية بعضنا بعضاً بالربّ، بقدر ما يسألنا الربّ عن كنيسته وحياتها وما يصير بها أقرب أليه. يحتاج حياتنا الحركية أيضاً أن تنضح بمزيد من المحبّة للأخ “القريب”، خاصّةً في ظلّ ألم الحاجة والفقر والنزوح الذي يعمّ شيئاً فشيئاَ حولنا. ولكونها محبّة وجب أن تكتسب منّ كلّ منّا البُعد الشخصي وألا نرميها على عاتق ما أنشأناه من مؤسسات داعمة لها. يحتاج حياتنا الحركية أن نعرف كيف نغتني بالاختلاف دون أن يمسّ اختلافنا على شأن أو قضية ثقة كلّ منّا بالأخ الآخر وتقديرنا لارائه. وهذا سبيله أن نعلو بالحقّ في الربّ فوق شخصنا أو أي شخص كان.
ويبقى من البديهيّ التذكير أن هذا كلّه لا سبيل اليه ما لم يتوّج بالسعي الى أن نرتفع بنفوسنا وقلوبنا وعقولنا الى الله صلاةً وتوبةً ومعرفة انجيلية والتزاماً بالحياة الأسرارية. هذا هو ما تبدأ به النهضة التي شاءها المؤسسون وما به تتوّج دائماً. ورشة الحركة ما هي غير ورشة عطاء وتعاضد والتزام. هي سعي، شخصيّ وجماعيّ، الى أن نفتح ذواتنا ليحلّ الله فيها، وفي كنيسته، سلاماً وفرحاً وبهاءً يشدّ الكلّ اليه.
أيها الأخوة، كلّما برزت جدّية سعينا الى هذا الوعي، كلّما سئلنا عن مزيد من الحضور الشهادي المترجِم لايماننا. جميعكم يعلم أنّ كلّ ما من حولنا اليوم يدعونا الى مزيد من هذا الحضور، وأن الازمات السياسية والاجتماعية والانسانية التي نعايشها باتت تقتضي الكثير من الاجابات الايمانية. كيف لنا أن نسعى الى هذه الاجابات والى أن يكون حضورنا وحضور كنيستنا على قامة الهوّية التي نحمل؟ سؤال لا أعتقد، في ضوء ما أُختبر حتى الان، أن أحداً يملك جوابه، باستثناء أن علينا وعلى كلّ الجماعة الكنسية ألا نوفّر جهداً مشتركاً أو مسعى كيّ نستشّف من انجيلنا ما يمكن أن يقوله الله اليوم للعالم ومعه سبل مداواة المظلومين من جراحهم.
على رجاء أن يهب الله كلّ منا ما يجعله أهلاً لما كُلّف به، وأن تنعم حياة الحركة دائماً بتلك الحيوية التي تفرحه، أرجو أن يوفقنا الله، في الأمانة العامّة الجديدة، في حمل هذه الهواجس بالجدّية المرجوّة وأتمنى لمؤتمركم التوفيق طالباً صلواتكم والسلام.