التوبة – المطران جورج (خضر)

mjoa Saturday January 9, 2016 347

التوبة – المطران جورج (خضر)

  يذكر متى الرسول في إنجيل اليوم آية من النبي إشعياء (٩: ١- ٢) «أرض زبولون وأرض نفتاليم، طريق البحر، عبر الاردن، جليل الأمم» وهي بقاع حول بحيرة طبريا حيث يبدأ الجليل. وكان إشعياء ينظر من زمن بعيد إلى هذه الأرض التي قدّسها يسوع برسالته.

tawba-prayerجليل الأمم منطقة يسكنها الكثير من الوثنيين (واليهود يُسمّون الوثنيين الأمم) لذلك تابع النبي قوله: «الشعب الجالس في الظلمة أَبصَرَ نورًا عظيمًا»، فها الله نفسه ثالوثًا قدوسًا، آبًا وابنًا وروحًا يظهر على المياه ليُقدّسها ويجعل الحياة كلها مقدسة. في هذه المنطقة التي سكنها يسوع -في كفرناحوم تحديدًا- استهلّ البشارة بآية كان قد استعملها يوحنا الصابغ: «توبوا فقد اقترب ملكوت السموات».

 لقد جاء الملكوت بمجيء الملك، وكما رتّلنا في عيد الظهور الإلهي، حيث يكون الملك فهناك انتظام أو انسجام، ولهذا نتوب لأن ملك النفوس قد جاء وكشف حياة الله وسر الله ومحبة الله لنا، وكان كشفًا مذهلا. فالله في ما بيننا الآن ولم يبقَ إلها بعيدًا قابعا بأعلى سمواته، ولكنه قد جاء ولامسنا وساكننا ولاطفنا وأَحبّنا حتى الموت، موت الصليب. وليس من مساكنة أطيب من أن يكون الله نفسه رفيقا لنا، رفيقا بنا عندما نكون مرميّين في هاوية الخطيئة وفي جُبّ الشقاء الإنساني. اذا كنا على الحضيض، فالابن الحبيب على الحضيض معنا. وان كنا في الخطيئة، فالله معنا لأنه يذهب اليها ليفتش عنّا ويذوقنا ويفهمنا ويرفع عنا ثقل الخطيئة. انه قد شارك الإنسان لحمه ودمه، ولهذا ليس من وضع بشريّ كائنا ما كان، وليس من حالة شقاء أيا كانت الا والمسيح قد ذاقها لأنه قاسى الموت، ومن عرف الموت عرف كل شيء.

بسبب كل ذلك «توبوا». التوبة ممكنة لأن صاحبها ومُعطيها هو معنا وهو معطينا إياها. انها بمتناول أيدينا. قبل مجيء المخلّص كان الناس في سعي إلى الخيرات وإلى الفكر الصالح، ولكنهم ما كانوا يُدركون حقا ما هو الخير وما هو الصلاح لأن الخير لم يكن قد تجسّد. وأما وقد جاءت الصالحات كاملة بمجيء يسوع، فإنها هنا مرميّة في الدنيا، مطروحة علينا، مقذوفة في قلوبنا. نستطيع الآن أن نتوب لأن الله قد تاب الينا من سمائه.

«توبوا» عبارة تعني في لغة الإنجيل «تحوّلوا»، تغيّروا، غيّروا ما في أذهانكم. ماذا في أذهاننا؟ أفكار هذا العالم. وما أفكار هذا العالم؟ انها فكر الشيطان، فكر حقد وبغض وشهوة. كل ما في هذا العالم، كما قال الرسول يوحنا الحبيب في رسالته الأولى: «لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظّم المعيشة» (٢: ١٦). كل خطايانا تُردّ إلى شهوة العين وشهوة الجسد والمجد الباطل.

ولهذا، إن عرفنا كلمة الله مطروحة في قلوبنا، فإننا نستلذّها ولا نذوق غيرها. فإذا أبصرنا نور المسيح مضيئا، ليس فقط في الجليل والسامرة واليهودية، ولكن مضيئا في نفوسنا، اذ ذاك نلتفت اليه ونكتفي به. الله الرب ظهر لنا منيرًا للساكنين في الظلمة وفي ظلال الموت. تبنا في حياة جديدة، وتناولنا المسيح جسدا ودما، وقد عرفنا انه معنا وفي ما بيننا. عرفنا أن نور الأردن قد صبغ الأرض وأنه قادر أن يصبغنا جميعا وأن يُجدّدنا بنعمته.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).

نشرة رعيتي

10 كانون الثاني 2016

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share