أعمى أريحا – المطران جورج (خضر)
أمور ثلاثة يعلمنا إياها أعمى أريحا:
«يا يسوع … ارحمني»
مرضه جعله منبوذًا، رجلاً فقيرًا يستعطي، وهو يطلب الرحمة، يطلب ان يزول هذا الحاجز الذي فيه والذي يفصله عن السيد وعن سائر الناس. كل قضيتنا مع الله يوجزها لنا النص الإنجيلي اليوم: ان نميّز الحواجز التي فينا والتي تُباعد بيننا وبين الفادي، ان نرى أنفسنا خطأة، مسحوقين بالشرور التي نرتكب. أن نعرف اننا فقراء إلى رحمة السيد، إلى التفاتات منه تتوالى علينا كل يوم فيضمّنا بها إلى صدره الرحب.
«يا رب أَن أُبصر»
كل منّا بمعنى ما أعمى. كل منا تُعميه أنانيته ومآربه وأغراضه. إذا ما دخلت الشهوة إلى القلب وتربّعت هناك، وتحكّمت في النفس، فإنها تُعمي البصيرة فيصبح الإنسان بلا رأي صائب وبلا تفكير صحيح. ينفعل ويضرب من حوله بيده أو بلسانه أو بقلب متمرّد. يرتب هذا الأمر أو ذاك من مكانة اجتماعية أو ممتلكات أو عائلة، ولكنه ليس على شيء ما لم يصل إلى هذا أنّ «لي الحياة هي المسيح» (فيليبي ١: ٢١).
الأمور الباقية إنما تزاد لنا. قد تأتي وقد تذهب. قد نكون في سلام أو في حرب، في صحة أو في مرض، في غنى أو في فقر. هذه الأشياء متساوية كلها. الأمر الوحيد الجليل، الدائم، الصامد، هو ان يكون المسيح رفيق حياتنا ومُلهمها ومنعشها.
«يا رب أن أُبصر»
أَعطني روح بساطة وتواضع حتى لا أَستكبر في غنى ولا أَتذمّر في فقر. اذا كانت هذه صلاتنا فالرب يجيبنا كما أجاب الأعمى: «يا ابني إيمانك خلّصك فأَبصر».
«إيمانك خلّصك»
ليس الإيمان، كما يتصوّر الكثيرون، أن نصدّق عجيبة تحدث هنا ومعجزة تحدث هناك. وليس الإيمان أن نقتنع بكل ما يقوله لنا الناس. ليس الإيمان أمرا يتمّ في العقل، في الذهن. الإيمان ليس تصديقًا بل هو ثقة ويقين. انه تسليم لله، تعاطٍ وإياه بالحب.
هذا الأعمى شُفي لأنه مع كونه عديم البصر «رأى» قوة يسوع، فلم يستطع أحد ان يقنعه بأن الناصري غير قويّ أو غير شاف أو غير فادٍ. بهذا شُفي.
الإيمان رؤيا بأن المسيح معنا الآن وهنا، وانه يُلازمنا غدا، وانه أقوى من الموت، وإننا على الرجاء نُناجيه وبه نبتهل.
إن توصّلنا إلى قناعة أعمى أريحا بأننا حتى ولو بقينا وحدنا بلا طعام وبلا ثياب فالمسيح كاف لنا، عندئذ نكون من المؤمنين، عندئذ نكون من المبصرين.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
نشرة رعيتي
24 كانون الثاني 2016