صرت مثل إنسانٍ، ليس له معين! – الأرشمندريت توما (بيطار)
عبثًا أسعى!. لا أستطيع أن أخرجَ من خطاياي!. يقولون: بالله تستطيع كلّ شيء!. الله يخرجك منها!. أعرف، أعرف!. لست بحاجةٍ إلى موعظةٍ ولا إلى تذكيرٍ!. الله قادر على كلّ شيء؟ بكلّ تأكيد!. ليس الله هو المشكلة، أنا المشكلة!. أنا هو من لا يريد أن يخرجَ من خطيئتِه!. الخروج مكلفٌ ودافعي للخروج ضعيف!. لكي أكون صادقًا، أريد ولا أريد!. نفسي منقسمة!. تعبتُ!. لذلك لم أعد أُبالي!. ليستْ فيّ قوّة لأتغيّر!. ما المنفعة؟ حاولْتُ مرّات ولم أنجح!. لماذا تريدني أن أحاول من جديد؟ بكلّ بساطة، أستحلي خطيئتي!.
لا رغبة لي في التّخلّص منها!. لست أحتملُ مقاومتَها وإصرارَها!. أُسلِم نفسي لها وأتخلّص، أقلّه، من ضغطها!. لست أجد في نفسي مطرحًا للقداسة!. تعلُّقي بخطيئتي أقوى من انجذابي لله!. دعني وشأني، أنا لا أحبّ الله، ولو قلتُ بعفويّةٍ، إنّي أحبُّهُ!. الحقيقةُ أنّي أنا في مكان والله في مكانٍ آخر!. لا أريد، بعد اليوم، أن أتخفّى به!. أنا كقسطنطين ذاك الّذي اعتادَ في فتوّتِهِ أن يقول: من كان مثلي يلوِّث الله!. لذلك أنا لا أنفع!. الكلام عن الله جميل، تُدمع عيناي، أحيانًا، لمحبّتِه الجميلة، لكنّي لا ألبث أن أعود إلى خطيئتي، مشيرتي وعشيرتي، وكأنّ الكلام الإلهيّ كنقطةِ الماء على نبتةِ القلقاس تنزلق ولا تترك أثرًا ولا تعود!. بمَ تطالبني يا هذا؟!. خطيئتي في دمي، في نَفَسي، في تلافيفِ دماغي، في لحمي، في حسّي، في خيالي!. لو لم تكن فيّ بقيّة حياء وكشفتُ ما في داخلي لخرجتْ من لججي أدناسٌ ونتنٌ ودودٌ بلا حدود!. دعني وحالي!. خطيئتي تَعْزيتي!. ليس لديّ عنها بديل!. أعرف، أعرف أنّها تتركني دائمًا في فراغٍ!. لكنّها تعزّيني دائمًا متى عدْتُ إليها!. لا تبقى تعزيتها طويلاً؟ صحيح!. هذا خير من الفراغ!. مِن لا شيء!. الفراغ، في الحقيقةِ، يشدّني إليها، ولو بعد حين، أكثر ممّا يصرفُني عنها!. أنا كمثلِ من قال عنه الشّاعر: داوني بالّتي كانت هي الدّاء!. ضميري يزعجني ولا يزعجني في آن!. اعتدتُ تخديره!. خطيئتي مخدّر!. تساعدني أن أنسى!. ولِمَ أتذكّر؟!. هذا حال كلّ النّاس، لِمَ تطالبني بأن أكون مختلفًا عنهم؟!. لم أُولد على حدة عنهم، وُلدْتُ في وسْطهم ومنهم!. هذه طبيعتي، أعتبرها “الثّانية”، ولو لم يخلقني إلهي وإلهكم عليها!. العالم كلّه مختلّ، ولكنْ، هكذا هو!. لذلك لا الإرادة، للسّير في كلام الله، حاضرة عندي، ولا أن أفعل الحُسنى!. تبكي عليّ؟!. هذا بكاء التّماسيح!. أنت لست خيرًا منّي!. يا ليتكَ، أنت أيضًا، تغوص لتعرف نفسك!.
تعظني بأن أتوب، والعالم، الّذي أنا مغمَّس فيه، لا فقط يغريني بكلّ خطيئة، بل يشدّني إليه شدًّا!. يا صاح، إذا لم تكن هناك جماعةٌ مُحبّة لله ألوذ بها، أبإمكاني لوحدي أن أقفَ في وجه العالم؟!. لست مِن حديد!. أنا قليلُ لحمٍ ودمٍ ونَفَسٌ ضئيل وجملة عادات أَسْتَمْدِدُها مِن مَنشئي!. سمُّ الحيّةِ فيّ!. لذلك، سَمِّ ما شئتَ من الخطايا تجدْها لديَّ، بشكلٍ أو بآخر، بقدْرٍ أو بآخر!. ماذا تنتظر مني؟!. أهلي علّموني أن أحبّ ذاتي، فسلكتُ بما علّموني إيّاه حتّى لم أعد أُبالي بهم!. في المدرسة، غذّوا محبّتي لنفسي!. أنت أفضل من فلان وفلان وفلان!. أنت، أنت، أنت!. فانتهى بي الأمر بأن صار كلّ النّاس في حياتي مُنافسيّ وأعدائي!. لوحات الإعلانات لا تكفّ عن الإصرار عليّ: أحبّ ذاتك!. إلى أن انتهى بي الأمر أنّي بتّ أشاء أن أبتلع الدّنيا ولا أبالي بترك شيء لأحد وكأنّه ليس في الدّنيا غيري!. كلّ مَن حولي لا تهمّه إلّا نفسه، فنما فيّ شعور حادّ بأنّي أكون غبيًّا وعرضة للاستغلال إذا لم أكن مثلهم!. كيف لي أن أعاشرهم دون أن تنتقل إليّ عدوى أخلاقهم وأنانيّاتهم؟!. قُلِ الخطيئةَ الّتي تريد أَفعلْها بلا حرج!. إذا لم أفعلها بجسدي، أفعلها بنفسي، بفكري!. وإذا كنتُ قاصرًا أفعلها بشهوتي، بخيالي، بتصوّري!. هذا جوّي، هذا مناخي، هذا أنا، إذا كان يهمّك أن تعرف مَن أنا!. ماذا تريدني أن أفعل؟. أأقطع نفسي عن أبي وأمّي وإخوتي ورفقتي ومَن ألتقيهم في العمل وفي الشّارع وعلى الشّاشة وعبر الهاتف الّذي أحمل ويحملني أربعًا وعشرين ساعة في اليوم؟!. أين أذهب؟!.
أُحبُّ المال؟. كلّ النّاس يحبّون المال!. لا قيمة لك بين النّاس إذا كنتَ لا تحبّ المال!. ينتقدونك لأنّك تحبّ المال؟. هذا غيرةً منك لأنّك أصبتَ نجاحًا أكثر منهم لا لأنّهم عفيفون!. مَن لا يحبّون المال لست أجدهم في حياتي اليوميّة!. أسمع عنهم أو أقرأ عنهم، ولا أدري إن كان الكلام عليهم واقعًا أم من نسج الخيال وحياكة التّمنّيات!. لذا الأخبار لا تكفيني لأحزم أمري بأن أتغيّر!. الجوّ الّذي أنا فيه يقول لي: هذا لا مقابل له في الواقع!. أعطني قدّيسًا حيًّا واحدًا، لأصدّق!. بعد ذلك، من حقّك أن تطالبني بالقداسة!. شعارات، شعارات، شعارات!. كلام، كلام، كلام!. طقوس، طقوس، طقوس!. أعطني أيقونة مسيح واحدة، من لحم ودم، لأؤمن!. لا تفهمني خطأ!. أنا أؤمن!. لكن الإيمان الّذي أعرف لا علاقة له بحياة النّاس، وتاليًا بحياتي!. الله موجود!. وكلامه حقّ!. لكنّي لست أجد مَصْرِفًا أصرف فيه شيكات الكلام الّذي تبيعني إيّاه!.
تكلّمني على المحبّة!. حسنًا!. أين هي المحبّة؟. مَن يحبّ مَن؟. حتّى في الكنيسة!. دلّني على حزمة من عشر أشخاص يحبّ أحدهم الآخر حبًّا حقّانيًّا!. إذا لم تجد عشرًا، فأعطني خمسة!. مستعدٌّ أن أكتفي بثلاثة، إن كنتَ تعرّفني بهم!. حتّى المقامون على تعليم النّاس وصيّة المحبّة، هل يحبّ بعضهم بعضًا؟. أعطني نموذجًا أقتدي به!. بل هم، أيضًا، محبّون للمال والقنية وبخلاء!. أين مقابل قول المزموريّ: بدَّد وأعطى المساكين فبرّه يدوم إلى الأبد؟!. يتصرّفون دون أن يقولوا، وأحيانًا يقولونها بوضوح ووقاحة: بدون مال لا نستطيع أن نعمل شيئًا في الكنيسة!. أعطني إنسانًا واحدًا، تبنّى الفقر لأجل المسيح، ولم يغدق عليه المسيح بركاته!. المشكلة الله؟. المشكلة هي أنا وأنت!. كلّ النّاس اعتمادهم على المال، ومتى حصّلوا قالوا: الله باركنا!. نعبد المال، وفي عمق وجداننا، نعتبر الله خادمًا للمال، لا فرق، في الحقيقة، بيننا وبين الفرّيسيّين الّذين سمعوا يسوع يقول، في مَثَل وكيل الظّلم (لوقا): لا تقدرون أن تخدموا الله والمال؛ وهم، أقصد الفرّيسيّين، محبّون للمال، فماذا فعلوا؟. استهزأوا بيسوع!. والفرّيسيّون أقل سوءًا منّا لأنّنا عرفنا المسيح إلهًا، وننادي به إلهًا، ونتباهى به إلهًا، وهم كانوا مبلبلين لا يعرفون!. إيمان؟. أيّ إيمان هو هذا؟!. وتريدني أن أحبّ النّاس ولا أحبّ المال؟!. المال ضمانتي لا النّاس!.
يتصدّقون، أحيانًا، تقول لي!. تعجبني فكرة تقديم وجبة للمسنّين مرّة في الأسبوع!. ويعجبني أنّ المسنّين يهرولون من قاعة إلى قاعة، ومن كنيسة إلى كنيسة، ليحصلوا على وجبة أخرى، هنا وهناك!. يظنّون أنّهم بلّطوا البحر!. الصّدقة، يا صاح، بين المسيحيّين، هي أسلوب آخر لتخدير الضّمير!. الصّدقة ليست محبّة!. لست هكذا أفهمها!. المحبّة أن تكون مستعدًّا لأن تبذل ما لك ونفسك باسم المسيح!. أن تتصدّق عليّ بالقليل، أو حتّى بالكثير، هذا لا يجعل الصّدقة محبّة!. يصبح العطاء محبّة حقًّا متى أعطيتني قلبك كلّه، سواء في القليل الّذي تعطيني إيّاه أم في الكثير!. المحبّة ليست في الكمّيّة!. فِلسا الأرملة كانا أكثر من صُرر الأغنياء عند ربّك!. المحبّة قلب!. لم يطالب الله أحدًا بأن يحبّه!. المحبّة، كما يفهمها النّاس، بعامّة، معيوبة!. قال: أعطني قلبك، يا بنيّ، لا محبّتك!. مَن يُعطون ثيابًا يأخذونها من خزانتهم، ولو جديدة، غير مستعملة، ليقدّموها للفقراء، من باب الإيمان والمحبّة، كما يظنّون(!)، يُعطون، في الحقيقة، ما لم يعودوا يريدونه، أو ما لم يعد يعجبهم!. أهذه محبّة؟!. بل هذه أنانية ممكيَجة بنكهة المحبّة، نظير مشروب “تانغ” بنكهة البرتقال!. أعطني إنسانًا يشتري معطفًا للعريان، وكأنّه يقدّم هديّة للمسيح الملك، ويبقى هو متستّرًا بمعطفه العتيق، أصدّق، ساعتئذ، أنّ هذا عطاء محبّة حقّ!. جميل، حتّى الاستخفاف(!) بالله، أن تقيم مأدبة لوجهاء القوم، وعلى رأسهم أسقف المحلّة، تضمِّنها أفخر ألوان الطّعام، من أنحاء الدّنيا قاطبة، ثمّ تترك الخَدَم يلقون في القمامة ما يلقونه، ويضعون أيديهم على ما تصل إليه أيديهم، ثمّ ترسل بعض فضلات الأطباق للجنة سيّدات الكنيسة المجاورة ليتصدّقن به على الفقراء والمسنّين!. والكنيسة تهلّل وتشكر المحسنين الّذين يفعلون هكذا!. إذا كانت الفضلات للفقراء فالفضلات، أيضًا، للمسيح!. يا صاح، أما قرأت: إذا صنعتَ غداء أو عشاء فلا تدعُ أصدقاءك ولا إخوتك ولا أقرباءك ولا الجيران الأغنياء، لئلّا يدعوك هم، أيضًا، فتكون لك مكافأة؟!. بل، إذا صنعتَ ضيافة فادعُ المساكين، الجدع، العرج، العمي، فيكون لك الطّوبى، إذ ليس لهم حتّى يكافوك، لأنّك تكافى في قيامة الأبرار (لو 14)؟!. هذا إنجيلك وإنجيلي!. وتدعوني، بعد ذلك، لأن أحبّ؟!. هذا كذب!. أنتقدُك؟!. أنا لا أنتقدك!. أنتقد نفسي قبلك، لأنّنا أسوأ، الواحد من الآخر!. طالما الإنجيل في ميل وحياة النّاس في ميل آخر، فلا حقّ لك بأن تطالبني بأن أكون مؤمنًا ومحبًّا وعفيفًا!. مسيحيّة الحدّ الأدنى هرطقة شيطانيّة!.
لنتكلَّمْ على العفّة!. كيف تريدني أن أسلك في العفّة، عفّة الجسد، عفّة اللّسان، عفّة الأذن، عفّة القلب؟… ما دام النّاس قد تسربلوا بحبّ ذواتهم، فسلوكهم في العفّة تمثيليّة!. لا تكلّمني عن ضعف الطّبيعة البشريّة، رضي الله عنك!. لأنّي لست أجد أمام عينيّ ضعفًا، بحسب الطّبيعة، بل انحراف وضعف حتّى الاستسلام بإزاء هذا الانحراف!. قوّة الزّنى في نفسي أشدّ من أن أتخلّى عنها!. قوّة العفّة في نفسي شيكات بلا رصيد!. إذا كانت الشّمعة المنطفئة تشعلها شمعة مضاءة، فمن أين آتي بالنّار لأضيء شمعتي!. ألفُ كلمة عن النّار لا تضيء ولا شمعة واحدة!. ربّك وربّي، لو شاء، بطرق هو يعرفها، لأضاء كلّ شموع العباد!. ولكنّه، إلّا في حالات خاصّة هو يعرفها، لا يشاء، بل يشاء أن يضيء الإنسانُ الإنسان!. فقط ساعتذاك يعين!. أما قرأتَ إنّ حبّة الحنطة إن لم تقع في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها، ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير؟!. أهذا فقط عن المسيح البكر أم عن كنيسة الأبكار أيضًا؟!. هذا، بكلام آخر، معناه أنّ مَن لا يموت عن نفسه في كلّ أمر، لا يمكنه أن يُحيي أحدًا في كلّ أمر!. ومَن مات عن نفسه أحيى الكثيرين لا محالة!. هذه سنّة نار المحبّة!. وحدها تشعل القلوب!. أليس بهذا المعنى قيل: ليس حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه؟. هذا لا يعني، في وجداني، أنّ هناك محبّة عظيمة ومحبّة أقل عظمة!. بين البشر المحبّة كلّها من نوع واحد، وهو النّوع الّذي كشفه يسوع في نفسه، وربّك لا يطلب من عبيده وعباده أقلّ من الكمال في المحبّة لأنّه هو كامل ومحبّة، ولأنّ المحبّة كاملةً تكون أو لا تكون بالمرّة!.
رجاءً، لا تُخفْني بالكلام على الدّينونة والعقاب وخسران الخلاص!. هذا أحسبُه لديك كلام تجارة وابتزاز، ما دمت تطالبني بما لا تفعله ولا أراه فيك!. خير لي أن أبقى في زناي من أن أدّعي عفّة لست عليها!. أقلّه أكون صادقًا وأكون أفضل حالًا منك لأنّك متى علّمتني ما لا تريد أن تسلك فيه فإنّك فرّيسيًّا تكون!. وفي نهاية المطاف متى حضرتُ وإيّاك أمام الله، أنا، خروفًا معيوبًا وأنت، خروفًا في ثوب ذئب، فمَن تراه سيكون أفضل حالًا من الآخر لديه؟!. أيّهما خير من الثّاني: الخروف الّذي شرد الّذي لم يسأل عنه أحد، أم الخروف الّذي يعرف والّذي لم يبالِ بالبحث عن الخروف الّذي شرد بل خدعه ونهشه؟. لست أتكلّم على الرّعاة فقط بإزاء الخراف، بل على كلّ الّذين يظنّون أنفسهم مبصرين، وهم عميان، ولا يرعون إلّا أنفسهم وما لهم!. في الحقيقة، عند ربّك، الكلّ يرعى الجميع، وعلى المسمَّين رعاة مسؤوليّة خاصّة، لا تعفي أحدًا من رعاية كلّ الّذين يجعلهم ربّهم في محيطهم الوجدانيّ!. الرّعاية عمل جماعيّ حتّى لا يُعِدَّ مَن يَحسبون أنفسَهم “رعاةً” الخرافَ للاستغلال، والبيع والشّراء والذّبح!. كلّنا بحاجة لأن نَرعى ولأن نُرعى، كلّ في موقعه، لبنيان جسد المسيح، يا صديقي!.
إذًا، لِمَ لا تبدأ بنفسك، تقول لي؟!. صحيح!. أعترف أنّي لا أحبّ!. لم أحبّ بعد!. من تلك العجنة الملوّثة خرجتُ!. كلّما حسبتُ نفسي أنّي وصلت أجدني لم أصل بعد!. لا أُريد أن أُخفي معاناتي!. كلّما تقدّمتْ بي الأيّام، كلّما زاد يأسي من نفسي وقرفي من ذاتي!. أحيانًا، لا أعرف ماذا أفعل؟ يغمرني أسى عميق!. أريد أن أخرج من ذاتي ولا أستطيع!. أشتهي ربّي أن يجدّد جبلّتي، لأنّها لا تنفع!. أناي حاضر في كلّ ما أفعل وأُفكّر وأقول!. لا أستطيع أن أتوقّف عن التّفكير والعمل والكتابة، ولا عن محو حبّي لذاتي!. أحيانًا، تمرّ الأيّام بشيء من النّسيان، وأحيانًا أختنق في نفسي، ولا أدري ماذا أعمل!. شيئًا فشيئًا أُدرك معنى قولة الرّسول بولس: مَن ينقذني من جسد الموت هذا؟!. لا فقط لم أَصِل بعد، بل لا أدري إن كنت سأصل أبدًا!. أحتاج إلى صلاة القدّيسين وغير القدّيسين!. صلاة الزّناة، إن شعروا بألم النّاس، تنفع النّاس كثيرًا!. ليتني أتوقّف عن الكلام ولكن لا أستطيع!. سامحني يا الله وساعدني!. وسامحوني يا ناس لعجزي!.
لم أصل وليس عندي، في الحقيقة، ما أعلّمه بالرّوح!. لكنّي التقيت أناسًا، علّمني فيهم الرّوح الكثير!. جاءنا، مرّة، رجل اسمه يوحنّا وأخبر أنّ أموره متعثّرة لكنّه لا يشاء أن يتخلّى عن ثقته بعناية الله!. لا يقدر أن يكمل شهره من معاشه، لكنّه يتدبّر بطرق وحده الله يعرفها!. مرّة، كان في جيبه عشرة آلاف ليرة لبنانيّة فقط لا غير. قالت له زوجته: اذهب اشتر علبة حليب للطّفلة، والعلبة ثمنها أربع عشرة ألف ليرة. خرج لا يعرف كيف سيتدبّر. فجأة التقى فقيرًا عليه علامات الوجع. هذا مدّ يده بهدوء أمامه وقال له: ساعدني!. من دون تفكير، مدّ يده وأعطاه العشرة آلاف ليرة!. عاد إلى بيته!. سألته زوجته: أين علبة الحليب؟. قال: نسيت!. خرج من جديد!. فَكَّرَ بمَن سيتّصل ليستعير منه بعض المال!. قال: الله يدبّر!. فجأة رنّ هاتفه!. مَن؟. شخص لا يعرفه!. فلان أعطاني رقمك!. قال لي إنّك مهندس!. أجل، أنا مهندس!. عندي لك عمل!. وَصَفَه له!. أبإمكانك أن تنجزه لي!. أجل!. حسنًا!. كم تظنّ قد تكون الكلفة؟. بحدود الخمسة آلاف دولار!. حسنًا!. بإمكاني أن أعطيك الآن عربونًا، ألفًا وخمسماية دولار!. حسنًا!. أين أنت الآن!. بعدما استدلّ كلّ إلى مكان الثّاني، تبيّن أنّهما لا يبعدان الواحد عن الآخر إلّا مئة متر فقط!. فما هي إلّا دقائق حتّى وصل صاحب المشروع وسلّم يوحنّا ألفًا وخمسمائة دولار وذهب في سبيله!. فاشترى يوحنّا صندوق حليب وعاد إلى بيته!. أتُرى الله يدبِّر أم لا يدبِّر؟!. المشكلة أنّ المسيحيِّين لا يصدِّقون!. صدِّقوا يا عالم!!!.
الكنيسة، في صخب هذا الدّهر، يا صاحبي، ضائعة!. الله موجود ولكن مَن تراه يتعاطاه كإله حيّ؟!. ما لم نودع أنفسنا وبعضنا بعضًا وكلّ حياتنا للمسيح لله، فستبقى الكنيسة كلامًا ومتحفًا وسخامًا!. في هذه الأيّام، نسعى، بكلّ أسف، وراء كلّ شيء إلّا المسيح!. مسيحيّتنا عفنت!. ما لم نعد إلى الحبّ الأوّل للمؤمنين فعبثًا نحاول!. المسيح لا يتجزّأ!. هو هو، أمسًا واليوم وإلى الأبد!.
هكذا عاشوا!. “وكان لجمهور الّذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة، ولم يكن أحد يقول إنّ شيئًا من أمواله له، بل كان عندهم كلّ شيء مشتركًا. ونعمة عظيمة كانت على جميعهم إذ لم يكن فيهم أحد محتاجًا” (أعمال 4)!.
أتُرى تعود تلك الأيّام لنعود إلى الكنيسة وتعود الكنيسة إلينا، أم دخلنا زمن الخواء، وندرة الإيمان؟!. فتيلنا يدخّن!. نبحث عمّن يحبّ الله ولسنا نجد!. وأنا أوّل الضّائعين!.
ربّاه!. لا تلمني!. فقير أنا وفي الشّقاء منذ حداثتي!.
في اللّيل على فراشي طلبتُ مَن تحبّه نفسي، طلبتُه فما وجدتُه. قلت أقوم وأطوف في المدينة، في الأسواق، في الشّوارع، أطلبُ مَن تحبّه نفسي. طلبته فما وجدته!. أختي العروس جنّة مغلقة، عين مقفلَة، ينبوع مختوم (نشيد 3 – 4)!.
ألعلّي واجدك كسمعان الشّيخ، سيّدي؟!. حتّى متى أبقى في حرقتي وانتظاري؟!.
البائسون والمساكين يطلبون ماء ولا يوجد. لسانهم من العطش قد يبس. أنا الرّبّ أستجيب لهم. لا أتركهم. أجعل القفر أجمة ماءٍ (إشعياء 41)!.
يا ليت عيني ينبوع ماء لأبكي نفسي وبنت شعبي!.
الأرشمندريت توما (بيطار)
رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي
دوما – لبنان
7 شباط 2016