لقاء القمّة الفاتيكانيّ الرّوسيّ، ملاحظات ودلالات – الأرشمندريت توما (بيطار)
لقاء البابا فرنسيس والبطريرك كيريل، الّذي كان متوقَّعًا، تمّ في مطار هافانا (كوبا)، السّبت 13 شباط 2016. الأوّل، من نوعه، بين “رأس” الكنيسة الكاثوليكيّة، وبطريرك الكنيسة الرّوسيّة، في التّاريخ. أُعِدّ له بدقّة وإتقان. وجرت صياغة البيان المشترك، الصّادر باسمهما، بِحِرَفيّة وتوازن في طرح الأفكار، حتّى إلى انتقاء الألفاظ بلباقة. يقع البيان في ثلاثين بندًا، ويعرض للعلاقة الكاثوليكيّة – الأرثوذكسيّة بواقعيّة، وبرجاء وبإيجابيّة، وبلا عقد، وكذا لآلام عديدة تصيب العالم اليوم والحاجة إلى التّعاون حيالها، شهادة لحقّ الإنجيل.
للبيان ثلاثة مطلّات: – العلاقات المشتركة بين الكنائس.
– القضايا الحاسمة للمؤمنين.
– النّظرة إلى تقدّم الحضارة الإنسانيّة.
في شأن العلاقات المشتركة بين الكنائس، إقرار بواقع أنّ التّراث الرّوحيّ الواحد، الّذي نشترك فيه هو تراث الألف الأوّل للمسيحيّة. وأنّنا، في الألف الثّاني، إلى اليوم، نعاني الانقسام بفعل جراح تأتّت من صراعات قديمة وحديثة، ومن اختلافات، ورثناها عن أجدادنا، في فهم إيماننا بالله والتّعبير عنه. يكدّنا ضياع الاتّحاد، بنتيجة الضّعف البشريّ والخطيئة. والطّرفان يعيان استمرار وجود عقباتٍ عدّة بإزاء الاتّحاد بين الكنائس. لكن رجاءهما هو أن يساهم لقاؤهما في استعادة الاتّحاد المنشود، في عالم لا يتوق إلى كلامنا وحسب، بل إلى مبادرات محسوسة، من قِبلنا، أيضًا.
من منطلق ما يلتقي فيه الطّرفان وما يختلفان، يبديان، بقوّة الرّجاء، الّذي فيهما، تصميمهما على بذل الجهد المشترك، شهادةً لإنجيل المسيح، والإرث المشترك للكنيسة، في الألف الأوّل، وذلك استجابةً، في المعيّة، لتحدّيات العالم المعاصر، في إطار بذل كلّ ما يلزم لتذليل العقبات التّاريخيّة الّتي انحدرت إلينا. هذا معناه أنّ على الأرثوذكس والكاثوليك أن يتعلّموا كيف يؤدّون الشّهادة، مجتمعين، حيثما كانت الشّهادة ممكنة وضروريّة. لقد دخلت الحضارة الإنسانيّة مرحلة تغيير مصيريّة. ضميرنا في المسيح ومسؤوليّتنا الرّعائيّة تلزمانا بالخروج من لامبالاتنا حيال التّحدّيات الّتي تستدعي منّا استجابة مشتركة (البند 7).
إلى ذلك، في البند 24، في إطار العلاقة بين الأرثوذكس والكاثوليك، أيضًا وأيضًا، ما يطرح فكرًا جديدًا في التّعامل وتعاطي الإنجيل في عالم اليوم. القول هو أنّ الأرثوذكس والكاثوليك لا يتّحدون، فقط، في التّراث المشترك للكنيسة، في الألف الأوّل، بل، أيضًا، في مهمّة الكرازة بإنجيل المسيح* في العالم اليوم. هذه تستدعي الاحترام المتبادل بين أعضاء الجماعات المسيحيّة، وتُقصي كلّ شكل من أشكال الاقتناص. بكلام البيان المشترك، لسنا متنافسين بل أشقّاء**، وهذا ما يجدر أن يوجِّه مجمل أفعالنا المشتركة، وكذا تلك الّتي نتوجّه بها نحو العالم. لذا يحثّ الطّرفان كلَّ الكاثوليك والأرثوذكس، في كلّ البلدان، أن يتعلّموا كيف يَحيون معًا في سلام ومحبّة، وفي تناغم، الواحد مع الآخر. لا يمكن قبول الاغتياب والحيلة أسلوبًا لإثارة المؤمنين للانتقال من كنيسة إلى أخرى، بإطاحة حرّيّتهم الدّينيّة وتقاليدهم. دعوتنا هي إلى السّلوك في كلام الرّسول بولس: “كنتُ محترصًا أن أُبشِّر هكذا، ليس حيث سُمِّي المسيح لئلّا أبني على أساس لآخر”*** (رومية 15: 20).
ويسترسل البيان، في التّبسّط في النّقطة السّابقة، في البند 25، فيعبِّر عن الرّجاء في أن يساهم اللّقاء في المصالحة حيثما ساد التّوتّر بين الرّوم الكاثوليك والرّوم الأرثوذكس. ويورد ما بات يُعتبر مسلَّمة أنّ الاتّحاديّة “Uniatism”، الّتي تقضي بأن تنفصل جماعة عن كنيستها لتنضمّ إلى جماعة في كنيسة أخرى، ليست الطّريقة المقبولة لاستعادة الاتّحاد. على أنّ للجماعات، الّتي نشأت عن ظروف تاريخيّة، الحقّ في الوجود، والقيام بما يلزم لسدّ الحاجات الرّوحيّة لمؤمنيها، فيما تسعى لأن تحيا بسلام وجيرانها. وختم البند 25 هذه النّقطة الحسّاسة، في العلاقة بين الأرثوذكس والكاثوليك، بالتّأكيد أنّ حاجة الجميع هي إلى المصالحة وإلى أنماط مشتركة مقبولة للتّعايش فيما بينهم.
في إطار هذه المقابلة للشّؤون الأرثوذكسيّة الكاثوليكيّة، عرض الطّرفان لجملة من القضايا ذات العلاقة بالشّهادة المسيحيّة في العالم اليوم. اضطهاد المسيحيّين، لا سيّما في عدد من بلدان الشّرق الأوسط وشمال إفريقية، بما في ذلك العراق وسوريا، وكذا الآلام الموقَعَة بهم وبسواهم من غير الإيمان المسيحيّ، ضحايًا للحروب الأهليّة والخواء والعنف والإرهاب. الحثّ على الحوار لاستعادة السّلام الأهليّ. المساعدات الإنسانيّة للمنكوبين والمهجّرين. مصير المخطوفين بمَن فيهم مطرانا حلب بولس ويوحنّا المغيَّبان منذ نيسان 2013. تأكيد التّعايش بين المسيحيّين وغير المسيحيّين في أوطانهم. حثّ الأسرة الدّوليّة**** على العمل المشترك لوضع حدّ للإرهاب المستشري. وكأنّي بالطّرفين يشعران بالخطر المحيق بالسّلام العالميّ، فيحثّان المسيحيّين وسائر المؤمنين بالله على الصّلاة بحرارة ليحفظ الخالقُ خليقته من الخراب ومن حرب عالميّة جديدة!. يعتبر الفريقان أنّ الشّهداء المسيحيّين الّذين بذلوا دماءهم ولمّا ينكروا المسيح، والّذين ينتمون إلى كنائس متعدّدة*****، وتوحّدهم آلامهم المشتركة، هم ضمانة وحدة المسيحيّين. في البند 13، حثّ على الحوار بين الدّيانات، لمواجهة اضطراب الأزمنة، وتأكيد أنّ الفروق في فهم الحقائق الدّينيّة يجب ألّا تعيق الشّعوب المتباينة الإيمان عن العيش في سلام وتناغم. ثمّ، على القادة الدّينيّين، في السّياق الرّاهن، تقع مسؤوليّة تنشئة مؤمنيهم بروح الوقار لمعتقدات مَن ينتمون إلى تراث إيمانيّ غير تراثهم. كذلك، محاولات تبرير الأعمال الإجراميّة، بربطها بشعارات دينيّة، أمر مرفوض تمامًا. لا جريمة تُرتكَب باسم الله. وعرض البابا والبطريرك لفكاك الإلحاد في روسيا وعدد من دول أوروبا الشّرقيّة، وكيف أنّ الأرثوذكس والكاثوليك يعملون جنبًا إلى جنب، شهادة لقيم الإنجيل، والأصول الرّوحيّة المشتركة للتّعايش الإنسانيّ.
من جهة أخرى، لاحظ الطّرفان تحوّل عدد من البلدان إلى مجتمعات دهريّة، متغرّبة عن كلّ مرجعيّة لله وحقيقته، ما يشكّل تهديدًا خطيرًا للحرّيّة الدّينيّة. وأبديا، في البند 15، قلقهما حيال القضم الحاصل لحقوق المسيحيّين، حتّى لا نتكلّم على التّمييز الصّارخ حيالهم، في خطّ إيديولوجيّة دهريّة عدائيّة، تعمل على تهميشهم من الحياة العامّة. وحذّرا من التّمازج الأوروبيّ الخالي من الاحترام للهوّيّات الدّينيّة. قناعتهما أنّ على أوروبا أن تبقى أمينة لجذورها المسيحيّة، صونًا للرّوح الّتي صاغتها ألفا سنة من التّراث المسيحيّ.
وتناول الطّرفان، بقلق، التّفاوت الاقتصاديّ بين دول الشّمال ودول الجنوب، وعبّرا عن ألمهما حيال اللّامساواة المتنامية في توزّع خيرات الأرض، ما يزيد الشّعور بالظّلم حدّة، وحذّرا من الاستهلاكيّة، الّتي لا تقف عند حدّ، لبعض الدّول المتقدّمة، والّتي تستنزف مصادر كوكبنا.
من جهة أخرى، أبدى الطّرفان أنّ على الكنائس المسيحيّة أن تدافع عن العدالة، واحترام تقاليد الشّعوب، والتّضامن الأصيل حيال مَن يعانون. ثمّ كان الكلام على أزمة العائلة في بلدان عديدة، وموضوع الزّواج، وأنّ هناك اتّجاهًا مؤسِفًا لاعتبار مساكنات من نوع آخر في مستوى اتّحاد الرّجل والمرأة في الزّوجيّة، ما يجعل الأبوّة والأمومة، الّتي هي بمثابة الموهبة الفذّة للرّجل والمرأة، عرضةً للإطاحة من الوجدان العامّ. وفي البند 20، عرض الطّرفان للإجهاض واحترام حقّ الحياة، وخطر أساليب الموت الرّحيم وتطوير تقنيّة التّكاثر الطّبّيّة الإحيائيّة، والعبث بالحياة البشريّة، الّتي تعتبر بمثابة هجمة على قواعد الوجود الإنسانيّ المخلوق على صورة الله. وتوجّه الطّرفان إلى الشّباب المسيحيّ فدعياه للشّهادة للمسيح، وألّا يخشى أن يسير بعكس التّيّار، ذودًا عن الحقّ الإلهيّ، ما تتغرّب عنه المعايير الدّهريّة المعاصرة.
وعرّج الطّرفان على موضوع الأزمة الأوكرانيّة، فدعيا أفرقاء النّزاع إلى الحذر وإلى التّضامن الاجتماعيّ وإلى العمل على بناء السّلام. كما دعيا الكنائس التّابعة لهما، هناك، إلى العمل من أجل الانسجام الاجتماعيّ، والامتناع عن الاشتراك في المواجهة الحاصلة، والتّوقّف عن دعم أيّ تصعيد للصّراع. وعلى صعيد الانشقاق الأرثوذكسيّ، هناك، أمِلا في حلّه من خلال المعايير القانونيّة الموفورة، ليحيا المسيحيّون الأرثوذكس، في أوكرانيا، في سلام وتناغم، وأن تساهم الرّعايا الكاثوليكيّة، في البلاد، في إحقاق هذا الأمر، بما يضمن تجسيد الأخوّة المسيحيّة باطّراد.
أخيرًا وليس آخرًا، عبّر الطّرفان عن كون الكاثوليك والأرثوذكس مدعوِّين إلى العمل معًا، بروح الأخوّة، على إعلان بشارة الخلاص، وإلى الشّهادة المشتركة للكرامة الأخلاقيّة والحرّيّة الأصيلة للشّخص، وإلى الشّهادة المسيحيّة، بقوّة، في كافة نطاقات الحياة الشّخصيّة والاجتماعيّة، في عالم تهن فيه القيم الرّوحيّة للوجود البشريّ، ويتوقّف فيه مستقبل البشريّة، إلى حدّ بعيد، على الشّهادة المشتركة لروح الحقّ، الّتي علينا أداؤها.
اللّقاء والبيان، الّذي صدر على أثره، يطرح، بلا شكّ، تساؤلات إيمانيّة ومسائل شهاديّة، يتمثّل إمكان مقاربتها، لا فقط في الحثّ على الشّهادة المشتركة في عالم يعاني، بل، بالأولى، في ابتداع الدّيناميّات الّتي تفعّل هذه الشّهادة، هنا وثمّة. هذا أسلوب جديد حيّ، لو اتّبع، لتعاطي العمل المسكونيّ، يعين في إحقاق الوحدة الكاملة في إنجيل يسوع المسيح. لا بالصّيغ الكلاميّة ولا بوحدة الإدارة الكنسيّة نصير واحدًا، بل بالعمل والرّوح والحقّ أوّلًا.
في البيان، بلا شكّ، مقولات إيجابيّة عديدة وجميلة، لكنّه يحرِّك حساسيّات ويطرح تساؤلات لا يسعنا إلّا أن نقف عندها. ما لا يقال، أحيانًا، قد يؤثّر أكثر ممّا يقال. دونك بعض ما يمكن إيراده:
1) إذا ما حقَّ توصيف البيان أعلاه فليست سهلة مطالعته كبيان كنسيّ بحت، لأنّه مشبَع، من ناحية، بالمضامين السّياسيّة، ولأنّ كِلا الطّرفين فيه ينتمي إلى واقع سياسيّ لا فكاك له عنه. الفاتيكان دولة، ولها في العالم، وبخاصّة، في أوروبا، في علاقاتها، شؤون وشجون. حتّى لو شاء الفاتيكان أن يكون كنيسة بحت ما استطاع. والكلام عينه، يُقال في الكنيسة الرّوسيّة. حركتها، شئنا أم أبينا، هي في إطار روسيا الدّولة، وتطلّعاتها وطموحاتها وسياستها. لذا، ما ورد في البيان، يتعذّر توظيفه، بعامّة، خارج أطر السّياسة الدّوليّة، مهما بدا بعضه بليغًا، إلّا في نطاقات محدودة، هنا وهناك. لذا البيان، في نظرنا، بعامّة، سياسيّ في حلّة كنسيّة!.
2) الطّرفان يتكلّمان كرجلَي دولة. نفهم أن يكون البابا كذلك لأنّه، في اعتبار اللّاهوت الكاثوليكيّ، صوت الكنيسة الكاثوليكيّة. لكن واقع البطريرك الرّوسيّ، في إطار العالم الأرثوذكسيّ، مختلف. لا يمكننا، متى أمعنّا النّظر في مضامين البيان، إلّا أن نلاحظ أنّ البطريرك كيريل يتكلّم كأنّه صوت الكنيسة الأرثوذكسيّة برمّتها!. هذا، من حيث طبيعة الكنائسانيّة (Ecclesiology) الأرثوذكسيّة، يصحّ ولا يصحّ!. كلّ أسقف أرثوذكسيّ، عندنا، هو أسقف الكنيسة الجامعة، ولو أقيم على كنيسة محلّيّة. يتكلّم عن الكنيسة الجامعة ما دام كلامه مستمددًا من وجدانها التّراثيّ. ولا يُعتبر لسانَها لأنّه مقام على أكبر بطريركيّة أو أهمّها، تاريخًا، أو وزنًا سياسيًّا. ليس عندنا أسقف متسلِّط وأسقف متسلَّط عليه. عندنا أسقف حيال شعب، صغير أو كبير. والأساقفة متساوون. إلّا أنّ ثمّة أوّلًا بينهم، هو البطريرك، في العادة. لكنّ الأوّل ليس رأسًا ولا رئيسًا. الأسقف المعتبر دون غيره، أو فوق غيره، في سلّم الهيرارخيّة، هو ناتجُ واقعٍ كنسيّ تاريخيّ شرد وانحراف روحيّ لاهوتيّ استبدّ، وليس له، لاهوتيًّا، أكليزيولوجيًّا، كنائسانيًّا، ما يبرّره!. على هذا، في ضوء ما ورد في البيان، من بنود تنسجم والتّراث الأرثوذكسيّ والوجدان القويم، تكلّم البطريرك كيريل، كأسقف في الكنيسة الجامعة المقدّسة الرّسوليّة، كما اعتاد آباؤنا أن يتكلّموا، بالوجدان عينه، عن الكنيسة الأرثوذكسيّة، أي باسمها. هذا حتّى لا نشير إلى بعض ما ورد ملتبسًا، هنا وثمّة، ويثير بعض الحساسيّات!. المهمّ، في العمق، لا مَن يتكلّم بل ماذا يقول!. من هنا إمكان قبولنا إيّاه، لا لأنّه بطريرك أهمّ، وربّما أكبر كنيسة محلّيّة، في العالم الأرثوذكسيّ!. ما دمنا نتكلّم أكليزيولوجيًّا فإنّنا باقون في نطاق الكنيسة، وإلّا نجدنا في نطاق السّياسة!. بإزاء الموقف الأخير نلقانا، بكلّ أسف، في مواجهة متاعب كنسيّة مبدئيّة جمّة!.
3) تراتبيّة الكراسي الكنسيّة، في فهمنا، مردّها أهمّيّة الكراسي، في العالم الّذي يُفترض أن تكون منتمية إليه. عندما كانت رومية عاصمة الأمبراطوريّة، احتلّت المكانة الأولى. بعدما حصل الشّقاق، عام 1054، خسرت، في العالم الأرثوذكسيّ رتبتها. القسطنطينيّة برزت بعد تأسيس القسطنطينيّة وصيرورتها العاصمة المتملّكة. أسقف رومية، قبل 1054، كان هو الأوّل بين متساوين. بعد الانشقاق، أسقف (أو بطريرك) القسطنطينيّة، صار هو الأوّل بين متساوين في العالم الأرثوذكسيّ. لكن القسطنطينيّة، كمدينة متملّكة، زالت. لو أردنا أن نطبّق قاعدة التّراتبيّة، وفق فهم آبائنا لها، لجاءت بطريركيّة موسكو وكلّ الرّوسيا، اليوم، في المرتبة الأولى، ولكانت لنا، بالنّسبة للكراسي الأخرى، رتب أخرى غير الّتي كانت لها في الأمبراطوريّة البيزنطيّة. لكنّنا حسّاسون للتّاريخ والحضارة والقوميّات. هذا واقعنا!. وما يخرج أحد من جلده!. بيزنطية الأمبراطوريّة زالت، لكن بيزنطية الكنيسة باقية، ونحن متمسّكون بها!. إلى الآن، لم ننجح في الفصل ما بين بيزنطية الكنيسة التّراث، وبيزنطية الأمبراطوريّة، ما جعلنا، كنسيًّا، غائرين في تاريخ مضى وانقضى، يبقينا مستأسَرين لما بات إيهاميًّا، ويأبى أن يتعاطى الواقع الكنسيّ الرّعائيّ الرّاهن في أطر تتماشى والزّمن الّذي نحن فيه!.
4) يأتي اللّقاء والمجمع الأرثوذكسيّ الكبير على الأبواب، في حزيران المقبل. بطريرك موسكو وسائر الرّوسيا، بلقائه بابا رومية، في 13 شباط 2016، على النّحو الّذي جرى، يأتينا، عمليًّا، بمقاربة جديدة لسير الأمور، في العالم الأرثوذكسيّ!. أيّ انعكاسات ستكون لهذه المقاربة على المجمع العتيد؟. أسئلة عدّة نطرحها!. أيّ روح سيحكم المجمع؟. صراع السّلطة، أم السّياسة، أم القوميّة، أم هذه معًا، أم الكنيسة؟. نحن قطيع صغير للمسيح، والأصحّ قطيع صغار!. أنتم إخوة، والكبير بينكم فليكن كالخادم لكم!. وحده مسيح الرّبّ كبيرنا!. أترانا بإزاء صفقات ومساومات أم صراعات وخلافات؟. الصّغار، كأنطاكية، لا يبدو أنّ ثمّة مَن يبالي بهم!. يشعرون بالإحباط!. الطّريقة الّتي تمّ فيها التّعاطي ومسألة الخلاف بين أنطاكية وأورشليم لا توحي بأنّ المناخ السّائد كنسيّ!.
أنّى يكن من أمر، فإنّ ثمّة مواجهة لا بدّ منها في المجمع الآتي: لا بين موسكو والقسطنطينيّة بالضّرورة، بل بين الأمبراطوريّة البائدة والرّاهنة، في الأذهان، من جهة، وكنيسة الرّجاء الّذي فينا (1 بطرس 3: 15) من جهة أخرى!.
* – كيف؟. ونحن ما نحن عليه!.
** – أشقّاء بأيّ معنى؟. لا شكّ أنّ ثمّة حاجة لتحديد لاهوتيّ للأخوّة هنا!.
*** – في هذا طموح كبير، وإقرار بوحدة الإيمان وسلامته لدى الطّرفين. إلى أيّ حدّ يمكن القبول بهذا الطّرح؟.
**** – هل هناك، فعلًا، أسرة دوليّة، أم استئثار دوليّ؟.
***** – هذا موقف جدير بالاهتمام، لا سيّما القول بالشّهادة ضمانة لوحدة المسيحيِّين!.
الأرشمندريت توما (بيطار)
رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي
دوما – لبنان
21 شباط 2016