الصليب طريق إلى الفصح – المطران جورج (خضر)
فيما أقبل الصوم على المنعَطف الثاني منه، نتأمّل في سرّ المصلوب ونتّخذ منه قوّة لنتابع المسيرة. ولأنّ الصائمين قد يتضجّرون ويتعبون من الجهاد وتكثُر التجارب، وضع آباؤنا أحد السجود للصليب ليشدّدوا عزائمهم. ويأتي المؤمنون ويقبّلون الصليب ويعانقون آلام المخلّص.
ولكن ما أن اتّحدوا بآلامه حتى أُعطوا زهرة لتقول الكنيسة بذلك انه «بالصليب قد أتى الفرح لكلّ العالم»، واننا نحن معشر المؤمنين، اذا ما عانقنا يسوع مسمّرًا على الخشبة ورأينا آلامه الخلاصيّة، ندرك ان آلامنا الشخصية تعذّبنا فلا نتوقّف عندها بل ننطلق فورًا إلى إعلان الفصح.
والفصح عندنا، إذا تبصّرنا في أعماقه، انما يبتدئ يوم الجمعة العظيم حسب قول المعلّم: «الآن تمجّد ابن الإنسان وتمجّد الله فيه» (يوحنا ١٣: ٣١). ان السيد تمجّد على الخشبة قبل ان يُمجّد عند فجر الفصح لأنّه بالصليب قد انتصر على العدو الأكبر، على الموت وعلى الخطيئة، فاستطاع بذلك أن يُطلقنا في الفرح وفي النصر.
نحن قوم منتصرون، نحن لسنا أناسًا فاجعيين نتفجّع بالموت والآلام، لا نطلب الموت ولا نعذّب أجسادنا لنتلذّذ بالآلام. هذه فكرة خاطئة شاعت عند غيرنا. اما نحن المشرقيّين فنفرح بالمخلّص. نحن فصحيّون منذ الآن على هذه الأرض، نحن ملكوتيّون.
«من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني». وكأنّ السيد يقول لنا ان ذلك شرط حتى نعتبر انفسنا تلاميذ، ان نأخذ الحياة كما هي، كما تجيئنا ونحن مصلوبون عليها. الصليب مرميّ في حياتنا، أو بكلمة اخرى حياتنا ملقاة على الصليب. كلّ منا يعترضه هذا أو ذاك من الناس وتعترضه خطيئته ويتمزّق في كيانه. الصليب لم يخترعه يسوع، وجده في ذاته، في لحمه ودمه، في لحم الإنسانية المتعبَة. يسوع لم يحبّ الصليب، ولم يطلب إلينا ان نبحث عن الآلام. الآلام كريهة وقد أراد السيّد ان تتباعد عنه هذه الكأس. ديانتنا لا تدعونا إلى العذاب، فالعذاب أَوجدَته الخطيئة المعشّشة في داخلنا.
ماذا تريد منّا الكنيسة في منتصف الصيام والمسيرة لا تزال طويلة لأنّ الحياة كلّها صيام ولأنّ الجلجلة قائمة في العمر، طوال العمر؟ يقول لنا يسوع: من أراد ان يكون لي تلميذًا فليكفر بنفسه. ما معنى هذا الكلام؟
انه يعني اولاً أن يتنقّى الإنسان من حُبّ ما يملك ومن حُبّ ما يريد أن يمتلكه. أن يكفر بنفسه يعني أن يكفر بعينيه وأذنيه ويديه ورجليه وحواسّه، أن يكفر بالفعل الذي يتمّجد فيه، أن يكفر بأشيائه وبثقافته وببهائه، فإذا نظر إلى نفسه يراها لا شيء، يحسّ انه لا شيء ويرى نفسه محاربًا للأنا البغيض الذي في نفسه.
لكن لماذا يجب ان يحارب الإنسان ذاته؟ ليس من أجل القهر أو الإماتة، ليس من أجل الصبر، ليس من اجل الإذعان للقَدَر. انه لا يطلب القهر ولا الإماتة ولا الصبر بحدّ ذاتها. يقول السيّد: ليحارب الإنسان ذاته كي يتبعني. ولكن إلى أين؟ إلى حيث الصليب موضوع، إلى قلب الله، لأن الله نفسه مذبوح في حبّه لنا. من أجل ذلك أقمنا الصليب اليوم بين شموع ثلاث مضيئة لنعلن ان الصليب في قلب الله، في قلب الثالوث. وإن نحن حملنا الصليب فنحن سائرون إلى قلب الله. هناك نحن نقيم. لا نقيم على الصليب. نحن نطفر من الصليب إلى أعماق الله إلى النور الأبدي الذي نتجلبب به.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
نشرة رعيتي
03 نيسان 2016