الشباب
لا أظنُّ أنّ أحدًا من الذين هم في موقع المسؤوليّة يتحسّس فعليًّا مآسي شباب اليوم والمآزق التي يتخبّطون فيها، فيما ترى أمامك شبّانًا مهندسين وأصحاب اختصاصات عالية، قابعين ليس خلف مكاتب العمل أو في إدارة الشركات وإنّما خلف قضبان السجون.
شباب اليوم يحيَون في مجتمع ضاقت فيه مجالات العمل، واهترأت فيه المواهب والطاقات البشريّة،واندفنت. فلا يكون انباعثا إلا من خلال انتماء لزعيم أو تزلم له، أو لا يكون. أو لمن أغدقت عليه السماء بركات الهجرة.
بات شباب اليوم يحيون في مجتمع لفّه الفساد من كلّ حدب وصوب، لا أحد يفكّر بهم ولا بمستقبلهم، وكيفيّة تأمين فرص العمل لهم؛ وصاحب الحظّ هو مَن يجد له واسطة تقفز به فوق الآخرين في خطوة نحو المستقبل المجهول.
ضجرت نفوسهم، واكتأبت أفئدتهم، وأضحوا باحثين عن مخرج لأزمة كانوا مدركين وصولهم إليها وما ملكت أيديهم أيّة حيلة لتجنّبها. بعض الميسورين منهم مَجَّت أنفسهم المناقب وأصبح الهاجس عندهم البحثَ عن فرح أو لذّة تطفئ قرفهم من الحياة وتشبع نفوسهم بخرنوب الخنازير الممزوج بالضياع.
أمّا الأغلبيّة من الشبّان، الذين قرنوا دراستهم بالقحط والحرمان من رغبات كثيرة، آملين أن تتحقّق بكدّهم وتعبهم وعرق جبينهم، فتراهم يصطدمون كما بحائط من الإسمنت المسلّح مبنيٍّ على إيرادات ضئيلة بالكاد تكفيهم لقمة العيش دون إمكان حتّى التفكير بتكوين عائلة.
الدولة غيّبت نفسها عنهم، والشركات والمؤسّسات تستعبدهم، تستحوذ على أغلب أوقاتهم، بدوامين بسعر دوام، ولا رقيب، بحجّة أنّ آخرين ينتظرون الحلول مكانك. جحيمٌ للشباب الطالع، فأين الرجاء؟
الكنيسة ليست بديلة من الدولة، لكنّها تحوي قدرة إلهيّة على نقل الجبال إلى البحر، أَوَليس كذلك؟
الكنيسة قادرة على أن تصرخ، بصوت نبويّ، بوجه كلّ من تسوّغ له نفسه العبث بأجيال المستقبل والتّلاعب بعقول الشبّان. لقد آن لها أن لا تهادن مَن يمتلكون السلطان الأرضيّ من دماء أولادها. لقد آن الأوان أن لا يبقى صوتها خافتًا في ما يتعلّق بحقوق أحبّتها.
إنّها، بالمحبّة التي فيها، قادرة على أن تشارك كلّ أبنائها، والشبّان منهم بشكل خاصّ، هواجسهم واهتماماتهم، أن تكون بمعيّتهم لا بغربة عنهم، تستلهم رغبتهم بالحياة، تستعين بعلومهم وقدراتهم، لتبتدع لهم مجالات عمل أو تفتح أمامهم باب الرجاء، مسخّرة لهم كلّ ما بوسعها، وما ملكت يداها، دون بخل أو تقنين. فكلُّ ما فيها يزداد أضعافًا إن سُخِّر ليكون في خدمة أحبّتها، إن تبنّت أن يكونوا هم هاجسها وهمَّها وموضع حُبِّها.
نشرة الكرمة
3 نيسان 2016