الفداء – المطران جورج (خضر)
ها الصوم إلى نهاية، وكلام الرب أمامنا: «ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن البشر سيُسلَم إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكُمون عليه بالموت»، وألحاظنا مسمّرة على صليب الحب وعلى هذا الفداء العظيم الذي كان ولا يزال حياة للعالم.
وبعد أن أعلن السيّد عن سرّ موته وقيامته، سأله يعقوب ويوحنا ابنا زبدى أن يجلسا عن يمينه وعن يساره في مجده، وكان في حسبانهم أن يسوع جاء ملكًا على إسرائيل وأنهم سيستمتعون بأمجاد المملكة الآتية. ولكنه لفت تابعيه إلى انه ملك من نوع آخر، وان أشواقهم السياسية باطلة، وان الذين دُعوا إلى الالتصاق به انما هاجسهم آخر وليس ما يجعله الناس همّا لهم. قال له التلميذان قولًا تافهًا، وكلّ قول كهذا تافه إلى الأبد.
قال المعلّم انه سيموت وان أتباعه سيموتون وانه ما وعدهم بمملكة لا في أيامه ولا بعد أيامه. لذا سأل السيّد التلميذين: الكأس التي أنا أشربها، أي كأس الموت، هل تشربانها أنتما؟ والصبغة، أي صبغة الدم، هل تصطبغان أنتما بها؟ فقالا له: نعم يا سيّد. والحق، كما نعلم من أعمال الرسل، أن يعقوب قُطع رأسه بالسيف، وان يوحنا أُخضع للتعذيب في جزيرة باطمُس كما نعلم من التراث. ولمّا أجابا بهذا الكلام، قال الرب: نعم ستموتان موت الشهادة، أما أن تجلسا عن يميني وعن يساري فهذا يعطيه الآب.
معنى هذا الكلام أن الحبّ هو كلّ شيء. هو وحده يُجلس الناس عن يمين المسيح وعن يساره، وكأنّ المعلّم أراد أن يقول ان الشهادة نفسها ليست كلّ شيء إن لم تكن بحقّ وعمق معبّرة عن محبّتنا ليسوع. مَن يموت خوفًا من الموت، الذي يُقتَل في سبيل المسيح ويخاف ليس بشهيد. هذه كلمات أُسيءَ استعمالُها جدًا ودُنّست. ولكن الذي يموت حبًا، أمات مستشهدًا أم لا، الذي يبذل نفسه كلّ يوم في المعاملة، في الصدق، في التواضع، هذا هو الشهيد. «من أجلك نُـمات النّهار كلّه» كما قال الرسول بولس (رومية ٨: ٣٦).
وشرح الربّ كلامه لمّا قال لتلاميذه: «من أراد أن يكون فيكم كبيرًا فليكن لكم خادمًا، ومن أراد أن يكون فيكم أوّل فليكن للجميع عبدًا». القضيّة المسيحيّة هي قضيّة بذل النفس عن كلّ الناس أيّا كانوا. سؤال المسيحيّين: أين نحن؟ ماذا سنكون؟ ماذا يحلّ بنا؟ لا جواب عليه في كتابنا. ما جاء في الكتاب هو هذا: «ابن البشر لم يأت ليُخدَم بل ليَخدم وليبذُل نفسه فِداءً عن كثيرين». هؤلاء الكثيرون هم كلّ الناس البؤساء ومن حسبْناهم قذرين ومجرمين جاء المسيح ليخدمهم ويحبّهم ولنحبّهم نحن.
لذلك نصعد مع السيّد إلى أورشليم لنُصلب معه وهو القائل: من أراد ان يكون لي تلميذًا، وهذه حريته، فلينكُر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
نشرة رعيتي
17 نيسان 2016