الشباب وملذات هذا العالم – المطران بولس (بندلي)
“يُقال أن “الشباب”هو سن الملذات -أما أنا فأقول لكم أنه سن “البطولة” كلام لكاتب فرنسي في رسالة المسيح للشباب”.
في انجيل هذا النهار شابان أخوان -أصغرهما طلب من أبيه أن يعطيه حصته من الميراث الأبوي وعندما أخذها ابتعد عن أبيه لكي يبددها في “الملذات الشبابية” التي يعطيه العالم الحق الكامل بأن يتمرغ فيها، فتجمع حوله الأصدقاء الكثر الذين التقّوا حوله في “طرفة عين” لكي يشاركوه “حرية شبابه” حتى اذا نفد المال من بين يديه، وقد تبدد سريعاً، تبخروا من حوله وتركوه وحيداً يعاني من الجوع الذي دفعه أن يدخل ويعمل في رعاية خنازير كان يشتهي أن يأكل الخرنوب الذي كان يشكّل طعامها، فلم يعطه أحد وبقي جائعاً. والجوع جعله يفكر ببيت أبيه حيث يفضل الخبز عن الأجراء أنفسهم -فرجع الى أبيه الذي كان ينتظره على قارعة الطريق والذي لم يعد يتذكر أن ابنه الأصغر -الشاب- قد ابتعد عنه -المهم بالنسبة له أن ابنه عاد اليه فكفاه ذلك تعزية “لكي ينسى” طيشه.
هناك الشاب الأكبر، هذا الابن الذي لم يترك أباه ولا يوم من أيام حياته لكنه “رفض” الآن أن يدخل بيت أبيه لأن أباه استقبل أخاه “فابتعد” عن أبيه رافضاً الدخول -الابن الأكبر “شَطَر” قلب أبيه مطالباً ايّاه بنزوة شبابه بألاّ يستقبل من جديد ذاك الذي بدّد أمواله وكأنه يعاتب من كان سبب وجوده ومن كان حافظاً بعنايته لشبابه النامي ليقول له: أنا وحدي لي الحق أن أكون “ابنك” هذا الذي تركك يجب أن تتركه بدورك ولا تتعرف عليه -شاب بالطبيعة هذا الابن الأكبر ولكنه كم “خَتْيَر” قبل الآوان بسبب رفضه لمحبة أبيه لأخيه ورأفته تجاهه…
الشاب الحقيقي ليس هو الذي ينجرف وراء أهوائه ونزواته انها تثقل الشاب وتجعله عاجزاً عن أي جهد يحفظ شبابه -الله يحب الشباب محبة صادقة لا غش ولا رياء فيها. الله يطلب من الشباب “بطولة حقيقية” تتجلى بأن يتجاوزوا أنفسهم. والله يقدم بكلمته الالهية قوة تحفظ هذا الشباب أبدياً. فقد قال القديس يوحنا اللاهوتي الحبيب المتكئ على صدر الرب: “كتبت اليكم أيها الشباب لأنكم “أقوياء” ولأن كلمة الله ثابتة فيكم” (رسالة يوحنا الأولى الجامعة). يقول لهم أنتم أقوياء بكلمة الله ولذلك تستطيع قوتكم أن تستمر ولو تقدمتم في السن، لا تخافوا، أنتم أقوياء بنعمتي يقول السيد الرب، لا تخافوا أنا أعطيكم شباباً لا يذبل أبداً بل يبقى ناضراً مستمراً الى الأبد. انما أعطي قوة لشبابكم تنتصروا على ضعفكم، اثبتوا في محبتي فتبقون أقوياء فيَّ ويتجدد شبابكم كالنسر بنعمتي.
سنكم سن بطولة، أطلب اليكم أن تكونوا أبطالاً في جهادكم ضد كل خطيئة في حياتكم.
أيها الشباب أحبكم كما أحببت هذا “الشاب” مثلكم الذي طلبت اليه بعد أن علمت منه أن تطبيق الوصايا كان في مجرى حياته أمراً يسعى اليه على الدوام فطلبت اليه أن يتجاوز نفسه ويبيع كل ما يملك ويوزعه على المساكين، فيكون له كنز في السماء وأن يتبعني، طلبت اليه ذلك فلم يستطع بسبب “ثقل أمواله” فمضى حزيناً ولم يستطع أن يأخذ جناحين كالحمامة فيطير بهما ويستريح، أحببته لأنه كان رافعاً عينيه الى السماء منتظراً أن يحلق فيها فلم يقدر…
لكن ثقوا -لا تخافوا أيها الشباب- ما هو غير مستطاع عند الناس مستطاع بنعمتي -ثقوا بيّ واتبعوني أيها الشباب فأعطيكم شباباً أبدياً، هكذا يقول الرب. فيا رب، أهلنا أن نتبعك الى العلاء حيث يتحقق شبابنا بكل معانيه بنعمتك الالهية. آمين.
مطران عكار وتوابعها
+ بولس
العدد 7 – في 15 شباط 1998
أحـــد الابن الشاطر