القديس يوحنا الدمشقي – المطران بولس (بندلي)
بين أمانة بيت المال الأرضي وأمانة الإلهيات عيّدنا أول أمس في الرابع من هذا الشهر للقديس يوحنا الدمشقي وكانت مدينة دمشق منبتاً له ولذا لقّب بالدمشقي. نشأ في بيت إشتهر بأمانة مثالية في حفظ المادة المدعوة أن تساعد الناس أن يعيشوا في كرامة صورة الله المرتسمة في بشرّيَتهم على ألا يقعوا في تجربة الاستعباد للمال الموضوع في طريق حياتهم فيصبح إلههم، وهذا هو أشر ما يمكن أن
يتعرض له الإنسان فتتشوه صورة الجمال القديم فيه.
لكن الرسول بولس عندما كان يقول أنه اذا ما كثرت التجربة تكثر النعمة أيضاً، فحياة قديسنا تؤكد أنه كان ساعياً باستمرار أن يطلب نعمة الله فلا يستسلم لهذه التجربة وبقي منتصراً عليها بل بالحري، وأكثر من ذلك، بقي مرتفعاً بنعمة الله وكما أن بطرس دعي من السيد أن ينتقل من صيد السمك الحيواني الى صيد البشر، وكما أن السامرية دعيت أن تترك جرتها حيث كانت تبتغي أن تضع ماء مادياً فاخذت تروي غليلها من الماء الإلهي الذي دعت اليه أهل بلدتها، هكذا انتقل الدمشقي من بيت حفظ المال المادي الى خط حياة يحفظ فيه الكنز الإلهي الذي يعلمنا الرب يسوع نفسه انه اذا اكتُشف من إنسان لا يعد يرى هذا الأخير إلا إياه فيبيع كل شيء عنده لكي يشتري الحقل حيث الكنز وهكذا يحصل على الكنز الذي لا يصاب بالآكلة أو يعرض للسرقة فتبقى قيمته الكاملة فيه.
انتقل يوحنا الى حقل الإلهيات وحافظ عليها بالأمانة المعهودة في بيته وهكذا حصلت في حياته قفزة نوعية جعلته يتكل على حنان ربه وهو الذي حمل هذا الحنان الإلهي في اسمه فانضم الى قافلة القديسين الذين تسموا مثله فرافقتهم حلاوة الله في سعيهم اليها طيلة حياتهم.
هذا القديس من شرقنا المعطاء، اتخذه كرسينا الأنطاكي المقدس شفيعاً لمعهده اللاهوتي مشتل الكنيسة الأنطاكية المقدسة. فإذا ما عيّدنا له فنحن مدعوون الى أن نغترف من الإلهيات التي ألفها بكل أمانة ولن يكون تعييدنا له حقيقياً الا إذا كنا مستعدين أن نسعى مثله لأمانة كاملة للإلهيات، فلا يغرينا العالم الزائل ولن تتملك مادته فينا بل نحن مدعوون أن نلتزم الإلهيات على طريقته. وكما أن الأيقونات التي دافع عن تكريمها حتى الشهادة المواجهة لقوى العالم المسيطرة مادياً بكل شراستها، تنقلنا من الصورة المادية الخاريجية الى الجمال الحقيقي في عمق حياة المرسوم عليها. هكذا سنسعى بنعمة الله وشفاعة القديس يوحنا أن نبقى في الحب الأول تجاه الله الذي أحبنا أولاً له الكرامة والسجود الى الأبد. آمين.
العدد 49 – في 6 كانون الأول 1998
القديس نيقولاوس