مريم المرأة، بل مريم الإنسان

الأب جورج مسّوح Wednesday September 7, 2016 177

غدًا، الثامن من أيلول، تحتفل الكنيسة بعيد ميلاد السيّدة مريم والدة الإله، والمعروف عند العامّة بعيد سيّدة صيدنايا، لارتباط العيد باسم الدير، قِبلة المؤمنين ومحجّتهم في هذا الموسم المبارك.

تحتفل الكنيسة بأعياد مريم، من ميلادها إلى رقادها، على الرغم من تجاهل الأناجيل ذكر أيّ حدث يختصّ بمريم وحدها. فالأناجيل هدفها الحفاظ على تعاليم يسوع، والتبشير به، وسرد سيرة يسوع من ولادته إلى صلبه وقيامته وصعوده إلى السماء وحلول الروح القدس على التلاميذ… ليس هدف الأناجيل سوى الحديث عن يسوع وأعماله. أمّا حين تذكر الأناجيل بعض الشخصيّات، كمريم أمّه ويوحنّا المعمدان والرسل الاثني عشر، فللإضاءة على الدور الذي أدّوه في حياة المسيح على الأرض.

على الرغم من ذلك كلّه، استحقّت مريم التكريم، لأنّ المسيح نفسه كرّمها وطوّبها ومدحها لخضوعها لكلمة الله ومشيئته. فالمقطع الإنجيليّ الذي تتلوه الكنيسة الأرثوذكسيّة في أعياد مريم كافّة يخبرنا أنّ امرأةً بعد أن رأت إحدى معجزات السيّد المسيح صرخت مادحةً إيّاه: “طوبى للبطن الذي حملك والثديَيْن اللذين رضعتهما”. فأتت ردّة فعل يسوع قاطعةً: “بل طوبى للذين يسمعون كلمةَ الله ويحفظونها” (لوقا 11، 27-28).

أرادت المرأة، كما هي الحال عند العامّة، امتداح ما هو طبيعيّ وناتج عن الطبيعة، أي التوالد والتناسل والتكاثر، وهذه كلّها ليست بفضائل أو قيم، إنّما هي محكومة بعوامل طبيعيّة. فصوّب يسوع المسألة نحو وجهة أخرى وأكسبها ما يعلي من شأن الإنسان وخياراته الحرّة، إذ قال إنّ الطوبى لا ينالها الإنسان بسبب عامل طبيعيّ، بل ينالها مَن يطلبها مخضعًا نفسه وإرادته لمشيئة الله، وعاملاً بحسب كلمته. وما يصحّ قوله في القداسة يصحّ أيضًا في الكلام على ما يدنّس الإنسان. فلا يمكن عاملاً طبيعيًّا أو إفرازًا جسديًّا أن يجعل الإنسان مدنّسًا. الخطيئة وحدها تدنّس الإنسان.

وفي السياق ذاته، قيل ليسوع: “إنّ أمّك وإخوتك واقفون في خارج الدار يريدون أن يروك”، فأجابهم: “إنّ أمّي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها” (لوقا 8، 19-21). هنا لم ينكر يسوع أمّه وأخوته، بل أراد أن تشمل الوصيّة الإلهيّة القائلة: “أكرم أباك وأمّك” ليس الأقارب بالجسد وحسب بل أيضًا مَن يسمعون كلمة الله ويعملون بها. أمّا القدّيس باسيليوس الكبير (+379) فقال: “إنّ التآلف مع الربّ لا يُدرك بالانتساب إليه بالجسد، بل بالعمل بمشيئته”.

هنا، لا بدّ من التأكيد على أنّ اعتبار مريم نموذج للمرأة، أو للأنثى المسيحيّة، إنّما هو خطأ ينتقص من دور مريم. مريم هي نموذج الإنسان، ذكر أم أنثى، رجل أم امرأة، الإنسان المدعوّ إلى الكمال. مريم لم تُدعَ قدّيسة لأنها ولدت المسيح واعتنت به طفلاً وشابًّا، وحسب… بل لأنّها أطاعت كلمة الله وعملت بمشيئته. لذلك، لا يمكن اختزال شخصيّة مريم إلى كونها أمّ أو امرأة أو أنثى… بل هي نموذج الإنسان الذي ينبغي أن يتوق إليه كلّ بشريّ، الذكر والأنثى، بحيث يكون قناةً يولد عبرها المسيح إلى العالم.

  • في مقالة مقبلة، وللوجه الآخر من الصورة، سوف نعرض للمسيح، الإله المتأنّس، واختزال إنسانيّته إلى كونه رجل أو ذكر.

 

الأب جورج مسّوح

موقع ليبانون فايلز، 7 أيلول 2016

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share