“الانحيل ليس بحسب انسان” – المطران بولس (بندلي)
“الانحيل ليس بحسب انسان”
(غلاطية 11:1)
في مقطع الرسالة إلى أهل غلاطية الذي سمعناه في هذا اليوم المبارك تأكيد يعطيه الرسول بولس بأنه لم يأخذ الإنجيل الذي بشّرهم به من انسان. وهذا الكلام يؤكد لنا انه لم يتلقن البشارة من انسان عادي ولكن من الرب يسوع نفسه الذي هو الاله المتجسد الذي ظهر له على أبواب مدينة دمشق التي كان يقصدها لكي يضطهد هناك المؤمنين بيسوع المسيح الهاً وفادياً ومخلصاً الذي عبر رؤية نورانية سببت له الا يبصر النور الحسي لفترة زمنية محدودة كي يتقبل في داخله النور السماوي، ذاك النور الذي لا يغرب أبداً والذي حمله إلى أقاصي الأرض. أما فحوى الرسالة الإلهية التي تلقاها فكُلّف أن يحملها بين الأمم فلم تكن من صنع بشر،
بل كانت داحضة لكل تفكير بشري ينظر إلى القوي “بقوته”لكي تنقل إلى كل انسان أن العبادة الحقة هي عبادة من، لأجل محبته للبشر وارادته الأزلية أن يخلص الانسان، أخلى نفسه، آخذاً صورة عبد، صائراً بشبه الناس، مطيعاً حتى الموت موت الصليب المرفوض أساساً من العالم الذي، لو كان يعرف الناس فيه، من هو الذي يكلمهم ويتصرف معهم كأنه واحد منهم، لما صلبوه وهو رب المجد الحقيقي الذي نؤمن أن كل انسان مدعو اليه إذا عرف ان يصغي إلى كلمة ربه…
أيها الأحباء، لنتأمل بهذا الشرف العظيم الذي يدعونا اليه الرب الاله -هو الذي يتكلم وينبغي بنا أن نصغي اليه لكي لا يغطي صوتنا وتصورنا ما “هو” يريد أن ينقله الينا- فلنصغ إلى صوته العذب الذي هو قوي لأنه كلمة الله ولكننا سننتبه إلى واقع نحن معرضون اليه كثيراً وهو ان نسقط على كلام الله، كلماتنا ناسبين اليه أنه يكلمنا بما تريده أهواؤنا وكثيراً ما نقع في فخٍّ من الصعب للغاية الافلات منه الذي يعرضنا في نتيجته أن نجد أنفسنا أسرى لأهوائنا. ولكننا إذا عرفنا أن نقول للرب: تكلم يا رب فإن عبدك يصغي فحينئذ لطف الله ووداعته وطول أناته كل هذه الأمور تنقل إلينا رحمته وتعزيته.
نحن اذاً مدعوون أن نصغي اليه وليس إلى أنفسنا. البشارة الحقة هو يضعها في قلوبنا وفي أفواهنا -فلنسلمه هو أن تجري الامور كما يريدها هو- فبولس، بعد أن كلّمه الرب قال له: ماذا ينبغي أن أفعل؟ ونحن بثقة كلية في إلهنا المحب البشر، الفادي والمخلص نفوسنا نسلمه نفوسنا ونقول له مع بطرس “يا رب إلى أين نذهب، عندك هي كلمة الحياة” فأعطنا كلمتك الحية والمحيية أهلنا أن نتقبلها بقلوب تسعى أن تنقيها انت بكلمتك كما نقّى ملاك نبيك اشعيا شفتي هذا الأخير بالجمرة التي اتخذها من المذبح، فطهرنا يا رب بنعمتك دائماً. آمين.
العدد 44 – في 29 تشرين الأول 2000
الأحـــد التاسع عشر بعد العنصرة